كلمة العدد : متعة الثقافة

كلمة العدد
طبوغرافي

بقلم/ أحمد الجعبرى

 

تغيرت دلالة مصطلح الثقافة في الآونة الأخيرة، فلم يعد اللفظ يحمل بهاءه ورونقه أو ما كان يعنيه من سطوة المعرفة أو القدرة على النقد والتفكير والإبداع، وإنما أصبحت مرادفة لأنواع الترفيه المختلفة. وهذا ما أقره "فارغاس يوسا" الحاصل على جائزة نوبل في الآداب حينما تحدث بأن الثقافة الأكاديمية والجامعية ما زالت قائمة وموجودة، ولكنها معزولة تماماً عن بقية المجتمع ومهمشة بصورة فجة، وما نراه اليوم أن كل الفنون تلوثت حتى الأدب والفلسفة. نحن لم نحقق "دمقرطة الثقافة وإنما دمقرطة البوار والجهل.


ربما يكون محقا في الاتهام الذي وجهه لنا الروائي "فارغاس" وخاصة أننا نستطيع القراءة وإعادة بناء جسور الثقافة الحقيقية ولكننا حصرنا المعرفة داخل أسوار الجامعات والمدارس دون فهم معنى التعلم وحقيقته أو ماهية الرفاهية الفكرية وأننا تكاسلنا كثيرا. وأظن أن إشكاليتنا اليوم لهذا التقصير أننا جهلنا المتعة الحقيقة لمراد الثقافة وهدفها، فحينما يؤكد "باولو فريري" رائد علم التربية الحديث أن" قراءة الكلمة هي قراءة العالم" أي أن فهم الكلمة هي مفتاح قيادة العالم الحقيقي أو بمنظورنا الإسلامي "الاستخلاف في الأرض" ولهذا فأول كلمة نزلت من كتاب الله كانت ( اقرأ ) ولم تكن أي لفظة أخرى. فالقراءة ليست من الكماليات أو شيء للرفاهية لقضاء وقت الفراغ بل هي فريضة إسلامية كما قال الأستاذ " العقاد " في فلسفته الخاصة عن القراءة حينما لخصها " إنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني، ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة. والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الإنسان الواحد، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق، وإن كانت لا تطيلها بمقادير الحساب"
القراءة والأدب والثقافة هم السبيل الحقيقي لبناء مجتمعنا ونهضته وتقدمه فمجتمع بلا أدب أو ثقافة هو مجتمع همجي يعاني من الجهل والفقر، فالثقافة هي مصدر المتعة وأداة البناء والتنوير لمستقبل حقيقي وحياة رائعة تليق بأهلها..
ولا يجب أن نتناسى أن قراءتنا وثقافتنا هي من تحدد من نحن، وكيف نكون، وتظهر لنا عيوبنا وكيف تكون علاقاتنا التي تربطنا مع الآخرين، وهي المحرك الرئيس التقدم وهي أداتنا في عبور جميع الحواجز التاريخية من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل.