إنما أنا امرؤ من قومي

كلمة العدد
طبوغرافي

 الإنسان مخلوق ضعيف.. أنشأه الله تعالى من عاطفة، وكون نفسه بالوجدان، لحكمة يعلمها الله تعالى (وخلق الإنسان ضعيفا) فالإنسان قد تقتله كلمة واحدة، وقد تحييه أخرى.. ويسعده اهتمام وسؤال ويقضي عليه تجاهل وإهمال.. ولم يشأ الله تعالى لأحد من خلقه أن يمتلك عاطفته أو يكن له أمرها.. فالكل يحب رغما عنه والبعض يكره رغما عنه،.. حتى نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم كان يدعو الله تعالى حينما يشعر بميله إلى عائشة عن غيرها من نسائه ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ).. ولهذا فالنفس دائما تحتاج إلى وقود عاطفي يحفزها ودعم معنوي يشجعها، وإلا انفجرت وخرجت عن طبيعتها، وتحول ما بها من حب وجمال إلى غيرة وشدة تعصف بكل طيب..

وهذا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ولا يختلف عاقل على قدر حبهم له، بعد غزوة حنين حينما أجزل العطاء لأهله من المهاجرين وتجاهل الأنصار – حسب ظنهم المخطئ– فما كان منهم إلا أن ثارت أنفسهم عليه وهو خير الخلق، وتحول الحب العظيم إلى عاصفة ضيق شديد تجتاح الأخضر واليابس.. حتى أنستهم فضل رسول الله عليهم، فهو من هداهم إلى الإسلام، وأغناهم من فقرهم، وجمع شملهم وشعثهم من التفرق؛ ذلك أن النفس البشرية لا سلطان عليها حينما تشعر بالتجاهل أو الانتقاص أو الاستهانة بها. وتجمع الأنصار وذهبوا إلى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهم في غضبة شديدة؛ فلجأ الرسول إلى حبيبه وصديقه وهو زعيمهم وصاحب كلمتهم (سعد بن عبادة) يستجير به: أين أنت منهم ياسعد؟ فرد سعد عليه ( إنما أنا امرؤ من قومي )!...

فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أن النفوس جريحة فكانت عظمة الرسول الكريم حيث داواها بمدحها وتزكيتها وذكَّرهم أنهم أهل فضل وخير له وأنه لا ينكر فضلهم، وأنه صلى الله عليه وسلم معهم ولن يتركهم أبدا، وأنه لو لم يكن من المهاجرين لكان منهم، ودعا لهم النبي الكريم.. فارتاحت النفوس وطابت الخواطر وفرحوا حتى بكوا..

ولعل درسنا التربوي هنا أنه مهما كان الحب عظيما وكبيرا، فإنه يصبح شيئا آخر إذا ما شعر بأن هناك انتقاصا منه أو استهانة به أو تجاهلا له، أو دلالا تحول لكبرياء وغلظة.. فليحافظ كل مرب أو صديق أو حبيب على صغيره أو صديقه أو حبيبه وأن يسعى دائما إلى طيب نفسه وخاطره، وليحذر كل منا من لسانه - فالكلمة تقتل كما السيف.