سلوكيات الاختلاف

كلمة العدد
طبوغرافي

د.ياسر نور المدير التنفيذى

 لمؤسسة الفتح الفضائية

د.ياسر نور

 

الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.. هكذا تناقلت الأجيال المتعاقبة هذه المقولة.. ومع ذلك نفتقد أثرها في المجتمع، فبمجرد استشعار عدم التوافق في الرأي نكيل الاتهامات ونلصق التهم والإشاعات..

وجمع الأدلة والحجج والبراهين التي تسفه آراء الطرف الآخر وتقلل من شانه وتهون من أثره؛ فينجرف الاختلاف في الراي على خصام وشقاق وأحيانًا ينقلب إلى عراك ومشاجرة.


ومن الضروري إدراك الفرق بين الاختلاف المحمود والخلاف المذموم؛ فالخلاف أننى لا أقبل رأيًا مخالفًا لرأيي.. أما الاختلاف فإنني أتقبل رأي الآخر وأحترمه وإن كان مختلفًا كما قال الإمام النسفى الحنفى: "إذا سئلنا عن مذهبنا ومذهب مخالفينا في الفروع، يجب علينا أن نجيب بأن مذهبنا صواب يحتمل الخطأ ومذهب مخالفينا خطأ يحتمل الصواب؛ لأنك لو قطعت القول لما صح قولنا إن المجتهد يخطئ ويصيب".


بهذه الرؤية يمكن أن تمر المناظرات بهدوء وكذلك البرامج التليفزيونية التي تجمع بين الآراء المتباينة والاتجاهات المتعاكسة.


ومن المشاهد أن الأسرة الواحدة تتعدد فيها الآراء حول الشيء ذاته، لكن على رب الأسرة الحكيم أن يجد نقاط الاتفاق ومحاور لتوحيد الشمل.


كذلك على مستوى الدول والشعوب، تتآلف الولايات وتتحد الدول لتكون امبراطوريات عظمى في الشرق والغرب، وقد استجابت الدول العربية لنداء شاعر النيل حافظ إبراهيم:
فَما لَكُم أَيُّها الأَقوامُ جامِعَةٌ..


إِلّا بِجامِعَةٍ مَوصولَةِ السَبَبِ
فاتحدت اثنتان وعشرون دولة مكونة جامعة الدول العربية عام 1945م، وأصبح الوطن العربي من المحيط إلى الخليج يدا واحدة وجسدًا واحدًا "إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء السهر والحمى"..


وفى الختام نؤكد على أن الاختلاف سنة من سنن الحياة، سواء كان هذا الاختلاف على مستوى الأسرة الواحدة أو في طيات العمل الوظيفى أو بين أبناء الشعب الواحد أو يمس كيانًا هائلاً كالوطن العربي الكبير، ولكنه اختلاف بنّاء يصب في إطار التعمير والتنمية؛ ولذا يقع على عاتق الحكماء في كل من ذلك تيسير سبل الوفاق وجمع الشمل ونبذ الفرقة والتناحر والخلاف البغيض؛ فالكل خاسر إذا وقع الشقاق بين الأشقاء، وما واقعة "إنما أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض" منا ببعيد! وحتى تكون لها الكلمة المسموعة بين الأمم، وتنال حظها من العزة والكرامة!