حوار الدكتور إبراهيم الشافعي - أستاذ اللغة العربية لغير الناطقين بها" مع "الفتح اليوم"

حوارات
طبوغرافي

منذ أسابيع قليلة فاتت كان الاحتفال بعالمية اللغة العربية، وهي اللغة التي يتحدث بها أكثر من نصف مليار إنسان حول العالم ما بين عربي وأجنبي، ومن الملاحظ بصورة جلية مدى عناية الغربيين بتعلم اللغة العربية وآدابها.. وكم أنهم في تزايد كل وأصبحت مصر اليوم قِبلة الأجانب لتعلم العربية، حتى أنك ما تمر اليوم على حي بالقاهرة إلا وبه مركز لتعليم اللغة لغير الناطقين بها، وتجد به من كل أقطاب العالم ما بين آسيوي وأوربي وأمريكي وإفريقي جاء ليعرف ويتعلم لغة القرآن الكريم.
وأجرت الفتح اليوم، هذا الحوار مع الدكتور إبراهيم الشافعي، أستاذ اللغة العربية لغير الناطقين بها، ليكشف لنا عن أسرار هذه المهنة ومتطلباتها، فإلى نص الحوار:


- كيف ترى شكل اللغة العربية بين أهلها اليوم؟ وما آلية الخروج من وضع اللغة العربية الراهن؟
نظرتي متفائلة والحمد لله؛ فقد ظهرت عندنا مؤسسات عربية تحمي وتذود عن هذه اللغة الشريفة، سواء هنا في مصر أو في عالمنا العربي أو في غيره..
ورؤيتي للتطوير تتمثل في الاهتمام بهذا النوع من المؤسسات كميا وكيفيا، وتطويرها، ووضع المعايير اللغوية التي تحكم عمل الإعلاميين والتربويين وغيرهم..
هل يحب العربية أهلها مثل غيرهم؟
أعتقد: نعم، بل أكثر، ولكن بعض أهل العربية قد يضلون الطريق إليها، في حين أن بعض الناطقين بغيرها عندهم بوصلة حساسة جدًّا تساعدهم على السير في أقصر طريق ليصلوا إليها، وهذا غريب!
ما الفرق بين تعليم اللغة العربية لأهلها وتعليمها لغير أهلها؟
كما نعرف اللغة أي لغة ثلاثة جوانب: العناصر، والمهارات، والثقافة، وفي تعليم اللغة العربية للناطقين بها يتم تعليم بعض العناصر وبعض المهارات، ولا يتم الاهتمام بالأمور الثقافية على اعتبار أن الدارس ابن هذه الثقافة، أما في تعليم العربية للناطقين بغيرها فلابد من الاهتمام بجميع العناصر والمهارت بالتوازي مع المحتوى الثقافي الذي ينبغي تقديمه للمتعلم، أضف إلى ذلك أن هناك اختلافات في الأهداف وطرق عرض المحتوى وطرق التعليم والتدريس ووسائله وكذلك طرق تقويمه.
ما المؤهلات المطلوبة لمعلم اللغة العربية للناطقين بغيرها؟
معلم اللغة العربية سفير وطنه ولغته وثقافته، وبالتالي ينبغي لإعداد المعلم جوانب ثلاثة: إعداد لغوي أكاديمي يهتم فيه المعلم بدراسة علوم اللغة العربية من صوتيات وصرفيات ومفردات ومعجم وقواعد ودلالة وبلاغة وأسلوب وغيرها، وإعداد تربوي مهني يشمل الأهدف وطرق التدريس وإعداد المحتوى وضبط الصف والتدريب على المهارات وتنميتها وتعزيزها وطرق التقويم وبناء الوسائل التعليمية والاختبارات وغيرها، ثم في الجانب الثالث يأتي الإعداد الثقافي، وهو شقان: إعداد ثقافي عربي، وإعداد ثقافي إسلامي
كيف أعلم ابني ذا الثلاث سنوات اللغة العربية الصحيحة؟
يا سيدي، لا بد أن يرى الطفل أمه وأباه يتكلمان بشكل سليم أولاً، ثم يسمع مواد باللغة العربية الصحيحة التي تنمي عنده الذائقة اللغوية.. ابدأ بهذا من فضلك مع طفلك!
الغريب أنه ظهر حاليا مواد مسموعة للأطفال تؤدَّى فيها الأغنيات بلا وزن ولا قافية، أي كلام يقال مع موسيقى غريبة.. ابتعد عن هذا من فضلك!
كيف أجنب طفلي اللحن في اللغة العربية وأجعله يحسن الفصيحة واللسان السليم؟
المحاكاة أولاً، ثم التوجيه والإرشاد وتوفير البيئات المحفزة والداعمة، ثم دخول المسابقات التي تحفز الطفل على الإجادة والتجويد، سواء على مستوى المدرسة أو المنطقة أو حت عربيا ودوليا، وعندنا في عالمنا العربي مبادرات عظيمة من هذا النوع؛ ومنها «تحدي القراءة» بدولة الإمارات العربية المتحدة..
هل مصر هي المقصد الأول للناطقين بغير العربية بغرض تعلم لغتنا؟
لا شك أن مصر مقصد مهم للناطقين بغير العربية لما تتمتع به من مكانة عالمية بين أبناء اللغات الأخرى، ولكن أصبحت هناك وجهات أخرى للمتعلمين غير مصر؛ ربما لأن هذه الوجهات الأخرى تقدم عروضا تعليمية وثقافية وترفيهية أقوى، وربما لأن المعلم المصري أصبح لا يطور نفسه في ظل هذه الدورات والدبلومات الكثيرة وفي ظل هذا التطور السريع وتنامي احتياجات المتعلمين، وربما لأن نظرة هذا المعلم المصري للمتعلم تغيرت؛ فلم يعد ينظر المعلم لهذا المجال على أنه رسالة ينبغي تأديتها على أكمل وجه، وإنما أصبح الأمر (أكل عيش)، وهذه نظرة ينبغي ألا تسود في أي مجال فضلا عن مجال مهم وإنساني بالدرجة الأولى كذها المجال..
هل هذه المهنة مهنة جديدة أم أنها قديمة؟
تعليم اللغات لغير أبنائها مجال قديم جدا، وظهر في لغتنا العربية مع ظهور الرحلات التجارية بين العرب وغيرهم قديما، وقد اهتم علماؤنا العرب بتعليم العربية للناطقين بغيرها حتى ظهر من طلابهم أمثال سيبويه إمام النحاة وصاحب أعظم كتاب في تاريخ اللغة العربية..
ما البرامج والدورات والدبلومات التي تؤهل للعمل بهذا المجال؟
ظهرت الآن كثير من البرامج المؤهِّلة للعمل في هذا المجال؛ فهناك برامج دورات أقوم أنا بالتدريب فيها ويقوم زملائي من الأساتذة الأفاضل ذوي الخبرة، وهناك دبلومات متخصصة في هذا الأمر، منها دبلومات مهنية تنظمها بعض الجامعات، ومنها دبلومات تربوية عامة وخاصة تؤهل لبرامج ماجستير ودكتوراه في هذا التخصص (تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها)، حتى إن هناك توجه في كليات الألسن ودار العلوم الآن لفتح أقسام خاصة بتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.
كيف تكون مصر هي المقصد الأول لتعليم العربية للناطقين بغيرها؟
ينبغي تطوير البرامج التعليمية المؤسسية المقدمة للناطقين بغير العربية، كما ينبغي ألا يقوم بوضع هذه المناهج والبرامج التعليمية إلا المتخصصون في تعليم العربية للناطقين بغيرها، وليس سواهم، وأرجو أن يكون هناك برامج ثقافية وترفيهية مصاحبة للبرامج الدراسية المقدمة، فعندنا الكثير الذي مكن أن نقدمه من خلال ما عندنا، كما أرجو أن يتم إعداد المعلمين بشكل أكثر احترافية، وأن يكون هناك حوافز مرضية للمعلمين، فهذا أكبر جانب يمكن أن يؤثر على أدائه، وهذه الخوافز نوعان: نوع مادي، ونوع معنوي، وبالتالي أرجو من المعلم والزميل الفاضل أن يغير نظرته لذلك المجال، وأن يعتبره رسالةً عظيمة يخدم بها وطنه وثقافته، ويكون بها سفيرا لهذا الوطن وممثلا لهذه الثقافة..
لماذا تضيع درجات طلاب الثانوية العامة في مادة اللغة العربية في حين يحصلون على الدرجات النهائية في المواد الأخرى؟
الإجابة هنا لها شقان:
أولهما وأخطرهما الشق النفسي لدى الطلاب وأولياء الأمور؛ فقد برمجوا أنفسهم على أن اللغة العربية صعبة وأنهم لن يستطيعوا الإجادة فيها، وهذا خطير جدا، وربما كان لذلك أسباب خارجة عنهم، ولكنهم بدون شك أكدوها وعملوا على ترسيخها في أنفسهم، والخلاص من ذلك هو أن يقتنع الجميع بأن اللغة العربية هي لغتنا التي نتكلم بها ونكتب بها، وبالتالي فنحن قطعنا نصف المسافة بقي أن ندرس فقط قواعد هذه اللغة، وهي أمر يسير بالمقارنة مع متعلم ناطق بغير العربية ليست هذه لغته.
الشق الثاني هو الشق المعرفي بقواعد اللغة العربية وفروعها: فما زال هناك قصور كبير في إعداد مناهج اللغة العربية، حتى إن هناك أفكارا تربوية كثيرة ومدروسة يمكن تطبيقها ولا يتم ذلك للأسف الشديد، وهذا خطير، وما يهمنا هنا هو ظهور فجوة كبيرة بين القواعد التي يدرسها الطالب؛ فهو لا يدرس القواعد بشكل كلي، ولكن يدرس كل جزئية على حدة، وكأنها جزر منعزلة عن بعضها، وهذا ما لا ينبغي أن يكون في دراسة هذا العلم خصوصًا.
وهناك مؤثرات أخرى على درجات الطلاب في هذه المادة، ولكن ليست بأهمية السببين السابقين؛ فأداء المعلم الصفي مهم، وتدريبه أيضا مهم، ودافعية الطلاب مهمة، والصورة المجتمعية عن معلم اللغة العربية بل ومادة اللغة العربية ينبغي أن تتغير.. إلخ.
فضلا، ضع لنا نقاطا استرشادية يسير عليها الطالب المصري في الابتدائية والإعدادية والثانوية لإتقان مادة اللغة العربية!
أولا: الاستماع إلى النصوص اللغوية الأصيلة، وبالتالي عدم الانسياق وراء الأغنيات التي ظهرت الآن تحت مسميات الأغاني الشعبية، والأغاني الشعبية بريئة منها، وكذلك الكلام مع الأفلام التي يظهر فيها الممثل وكأنه لا يستطيع النطق والكلام أو يتكلم بشكل غير صحيح حتى يسترعي انتباه المشاهد، الغريب أن هذا يعني - أصلاً - أنَّ المشاهد على حق في انتباهه لأن فطرته اللغوية سليمة، وما فعل الممثل ذلك إلا لكسر هذه الفطرة فينتبه المشاهد، والأغرب من ذلك أن هذا المشاهد (الأصيل) ينساق وراء تقليد واعٍ أو غير واعٍ لهذا الممثل..!
من هنا كان دور الرقابة على المصنفات الفنية كبيرا؛ فهي البوابة التي يخرج منها هؤلاء جميعا على أولادنا ونسمعهم في المواصلات العامة وغيرها..
ثانيا: قراءة النصوص اللغوية الأصيلة، فشراء قصة لا يقل أهمية عن شراء كتاب تعليمي أو دراسي، ومتابعة مجلة أسبوعية أو شهرية من المجلات الثقافية المحترمة لا يقل أهمية عن متابعة برنامج تلفزيوني يومي..
ثالثا: حسن اختيار المعلم الذي يتقن في الأساس فروع اللغة التي يعلمها؛ ففاقد الشيء لا يعطيه، ثم هو يعرف كيف يوصل هذه العلوم للطالب في هذه المرحلة المهمة من عمرة، مرحلة بناء مواطن المستقبل.
ثالثا: اختيار جو أسري لغوي محفِّز، وهذا دور الأسرة نحو أبنائها؛ فأرجو من كل أم وكل أب أن يفتح التفلزيون في البيت على برامج هادفة وتتكلم بلغة صحيحة، وحبذا لو كانت هناك متابعة خاصة لأحد البرامج الثقافية باللغة العربية الصحيحة..!
رابعا: نزع فكرة صعوبة اللغة العربية من أذهاننا؛ فقد خسرنا كثيرًا بسبب هذا الاعتقاد، وعندي يقين أنه غير صحيح؛ فاللغة العربية تحتاج منا فقط إلى ضبط (ليس بمعنى التشكيل أو الإعراب هنا)، والضبط يحتاج إلى ربط، والربط يحتاج تذكر ومراجعة على ما تمَّت دراسته وتدريبات متواصلة وبيئة تعليمية داعمة وجو أسري لغوي محفِّز.