اللواء والشاعر والأديب أحمد غراب يفتح صدره للفتح اليوم:

حوارات
طبوغرافي

حوار/ أحمد الجعبري

الشاعر اللواء أحمد غراب أحد أبرز شعراء العصر الحديث، وأحد الرموز المصرية الأدبية المعاصرة.. رشحته جامعة السوربون لجائزة نوبل للآداب عن إنتاجه الأدبي الفريد، تميز بقاموسه الشعري الخاص وتجديده الدائم للقصيدة العربية رغم إصراره على عمودية القصيدة ورفضه نثرية الشعر.. استطاع أن يدخل ببراعة أساليب المدارس الشعرية الحديثة في القصيدة كما وصفه الناقد الكبير د. عبد القادر القط‏.‏ وهو صاحب الرومانتيكية الجديدة كما فعل شوقي بالكلاسيكية العربية الجديدة‏ كما وصفه الشاعر الكبير بهاء جاهين..
حاز على الكثير من الجوائز المرموقة مثل جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري وجائزه سعاد الصباح وجائزة يماني للإبداع الشعري، عن دوواينه الشهيرة أعاصير والشاعر والمدينة والملاك الرمادي ونقوش على جدار الصمت.. إلخ.

فإلى نص الحوار:

"متى يعلنون وفاة العرب" كانت السبب في خلافي مع نزار قباني 

نصيحتي للأدباء والشعراء الجدد: كن صوتك أنت ولا تقلد أحدا فالنسخة المكررة لا تعيش ويتم التخلص منها

مسابقات الأدب في الوطن العربي مسرحيات وسبب لما نعيشه من حضيض فكري

الشعر موهبة إلهية لا يمنحها الله إلا لمن يستطيع التفكر والتنسك في محراب الحرف

  

كيف كانت نشأة اللواء أحمد غراب، ومن أكثر من أثر فيكم ؟
بحمد الله تعالى ولدت ببورسعيد في أسرة ميسورة الحال.. وسط أخوة وأخوات وآفاق صبا من بيئة متوسطة. والدي كان مثقفا يهتم بالأمور السياسية وكان يهتم بقراءة الصحف، وكان أخي الأكبر مهتما باقتناء الكتب من كل الثقافات دون قراءتها فهو لم يستكمل تعليمه، وكنت أنا الوحيد الذي يتسرب إلى مكتبه وينهل منها ما لذ وطاب من الثقافات.. ولعلني أقر أنني قرأت عنده للمتنبي وأبي تمام والبحتري والشوقيات بكل أجزائهم.. إضافة إلى المعري ولزوم ما لايلزم أو اللزوميات... ولهذا حفظت من صغري آلاف الأبيات للكثير.. وحينما بلغت التاسعة، ولله الحمد كنت أكتب القصائد الموزونة المقفاة بل وأنشر في الصحف المحلية
وهنا لا بد أن أذكر أن أول من نشر لي هو الفنان الكبير محمود ياسين، وكان حينما كان يصدر مجلة "أخبار إمبارح" وكانت هذه المجلة تصدر عن نادي عمال بورسعيد.
- أي الألقاب أقرب إلى قلبكم (الشاعر أم اللواء أم المهندس )؟
الحقيقة أنني كل هذه الخلطة، فالشخصية لا تتجزأ، ولو كنت أملك الرجوع بالزمن لنقطة البداية لما سلكت درب الشعر، وكنت اخترت مجال كتابة القصص لأنني أعترف أن زمن الشعر ولى، ومن المؤكد أننا نعيش وسنظل نعيش زمن القصة والرواية.
- أكثر الشخصيات التي أثرت وشكلت شخصية أحمد غراب؟
الشاعر العربي المعجزة المتنبي فهو من استطاع بأقل من 6000 بيت فقط أن يخترق حواجز العصور ويدخل أعماق الخلود إلى الأبد، بعد المتنبي يأتي أحمد شوقي وإبراهيم ناجي ومن الغرب بودلير وبوشكين وجوته.
-الحداثة في شعركم وكتاباتكم نلاحظها بصورة كبيرة، حتى أنه استدعى الباحثين لصناعة رسائل بحثية كاملة عنها، كيف ترونها؟
عندما بدأت تتشكل ملامحي الشعرية تراءى لي أنه لا بد أن أكون متفردا صاحب نهج شعري متميز لذا بدأت بتجديد القصيدة العمودية وتطويعها لتستوعب المدارس الأدبية الجديدة، كالدراما والرمز والسريالية.. وكانت المهمة صعبة وشاقة للغاية.. فالقصيدة العمودية زجاج لا يقبل الطرق عليه. استمرت المحاولات مني فترة طويلة حتى أصدرت الديوان الأول، وبدأ السيل الجارف يعبر مجراه حتى المصب.. والآن أعتقد أن ملامح المدرسة قد ظهرت بوضوح وأستطيع القول بلا مبالغة أن كل من يكتب القصيدة العمودية الحديثة حاليا في كل المنطقة العربية تلميذ تخرج من مدرستي التي تمكنت من إقامتها في أواخر الستينات.


- أشد المعارك الثقافية لكم، وهل مازلت متمسكا بالقصيدة العمودية؟
مررت بالكثير من المعارك الأدبية. وأذكر أن أهم هذه المعارك تلك التي دارت بيني ومعي المرحوم أبو همام ضد نزار قباني بسبب قصيدته السيئة "متى يعلنون وفاة العرب" وقتها كنت أشك في نزاهة نزار وميوله القومي، ولكني اليوم أعتقد بل أؤمن أنه كان على حق وكنا جميعا مخطئين.
وأيضا لا أغفل معاركي مع أنصاف الشعراء أو التفعيليين وأصحاب قصيدة النثر، أيضًا معاركي مع "حوانيت النقد المعلب" وفي مقدمتهم ذلك الناقد الممثل الرديء الذي يهوى أداء دور المحكم في مسرحية كتارا وجائزة قطر. وبهذه المناسبة أدعو المسئولين في الجامعات إلى الحد من هذه الظاهرة السيئة التي أودت بسمعتنا الثقافية للحضيض، فهذا الأستاذ الجامعي يتسول ويقتسم الجوائز مع من يرشحهم للفوز بأسلوب رخيص.
ولهذا فدائما ما أقول إن الشعر موهبة إلهية لايمنحها المولى سوى لمن يستطيعون الموت مئات المرات فكرا وتنسكا في محراب الحرف وليس بالأكل على الموائد والدس وصنع عنتريات من ورق لا تغني ولا تسمن من جوع
من أقرب ناقد إلى قلب الشاعر أحمد غراب؟ وماذا تعلمت منه؟
المرحوم الشاعر أبو همام من الشخصيات الأدبية التي تعرفت إليها، فقد كان ودودا رقيقا واضحا لا يعرف المجاملة في الحق. ومعه الدكتور الطاهر مكي، أستاذي الذي أشرف بالانتماء إليه، وهذا الرجل أيدني ووقف في ظهري وساندني.. رحمه الله كان أعظم قامة أدبية باسقة على امتداد الوطن العربي، ولقد أهديت آخر أعمالي وهو ديوان "المرايا" وهو الجزء الثالث من أعمالي الشعرية الكاملة - إلى روحه الطاهرة التي مازلت أشعر بها حتى الآن ترفرف بين جوانحي.
-هل للحياة العسكرية تأثير فيكم؟
بالطبع تأثرت بالحياة العسكرية، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من ذاتى، فأنا في كينونتي لأعرف المستحيل، ولا أخاف شيئا، وأحسب قدراتي على المواجهة جيدًا، وأجيد اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
-هل الصوفية شرط للشاعر أو الأديب، وكيف أثرت الصوفية في شعركم؟
- الصوفية ليست شرطا لاستكمال أدوات الأديب، فهي منهج حياة قبل أن تكون نهجا دينيا، وأعتقد أن بداخل كل إنسان نزعة صوفية يلمسها بنفسه حين يخلو في وحدته ويغوص بأعمال ذاته، والصوفية في شعري لم تحتل مساحة كبيرة في شعري إلى اليوم، ومن ضمن مشروعي الشعري المستقبلي فعلا هي التفرغ لها فعلا.
- ما أقرب أعمالكم لقلبك أنت؟
أقرب الأعمال إلى قلبي المجلد الثالث للأعمال الكاملة الذي أصدرته العام الماضي بعنوان المرايا، لقد كتبته في 256 قصيدة خلال عام، وأعتبره أروع الأعمال الشعرية التي صدرت في العالم العربي إلى اليوم.
-حرب السادس من أكتوبر، ماذا تشكل في شخصيتكم ؟
حرب السادس من أكتوبر وجدتني ووجدتها. وكان لا بد لها من شاعر يخلدها، فكنت أنا الشاعر، وكان لابد لي من حرب أصقل بها ذاتي واختبار قدراتي فوجدتها.. فكلانا وجد الآخر.. وأعتقد أنه بعد مائة عام، لن تُذكر حرب أكتوبر بدون ذكر أبياتي في وصف حرب اكتوبر.
لماذا تقلون دائما من الظهور الإعلامي، لا أذكر أنني رأيتكم ضيفا في أحد البرامج يوما ما؟
أنا لا أسعى للفرقعات الإعلامية حتى جوائزي الأخيرة لم أنشر عنها سطرًا واحدًا.. أنا أطلب من المثقفين قراءتي وليحكموا هم بعد ذلك وهذا ليس غرورا، إنما كما قالت لجنة مستشرقين السوربون لا يوجد في عالمكم العربي ولاحتى لدينا شاعرية بهذه القوة فقد اندثرت لدينا مع بودلير وجوته وبوشكين أما لديكم فلأسف لايرسلوا لنا سوى الأقزام ولهذا لم نعرفك إلا متأخرا وأنا من رشحتني جامعة السوربون لجائزة نوبل.
-كيف ترى واقع الثقافة اليوم، وخاصة ما يتعلق بإحياء التراث، وما سبل النهوض به وهل يوجد في مصر نقد أدبي اليوم ؟ وكيف تناولكم ؟
- لا أعتقد بوجود هذا النقد، فمعظم ما يكتب ليس إلا مجاملات باهتة، وبعد الدكتور الطاهر مكي والقط ورجاء عيد.لا يوجد للنقد مكانا بتاتا، والطافي على السطح الآن تفاهات وجلسات مصاطب ليس إلا.
وهناك أكثر من 10 رسائل جامعية "ماجستيراه ودكتوراه" إضافة إلى كتاب الناقد د. صلاح فضل. وتحدث فيه فصلا كاملا عن "أحمد غراب شاعر في غير عصره" وكتاب أ. د/ الطاهر مكي "أحمد غراب ثورة القصيدة العمودية" إضافة إلى كتاب أ.د عبد الله عبد الحليم، الذي نال به درجة الأستاذية مع كتاب آخر يطبع حاليا بعنوان تجربة أحمد غراب الشعرية.. إضافة إلى الكتاب الكبير الذي صاغه الناقد الكبير أ.د عبد القادر القط تحت عنوان "شعراء مصر" وبه فصل كامل عن أحمد غراب و تجربته الشعرية..
هل نعاني اليوم من تخلفا شعريا؟ وما السبب ؟
بالطبع نعم، نحن ما زلنا نبحث عما وراء الحداثة بعد أن وفقنا في تضمين القصيدة العمودية للمدارس الحديثة من رمزية وسريالية وتطويع القالب العمودي الجامد لأساليب الدراما، والتي أخذت مجهودا كبيرا.. ولا زالت المصيبة أن بعض الصغار وأقصد بهم صغار المتشاعرين الذين يسطون على إبداعات الكبار تصوروا أنهم يستطيعون أن يقيموا مدرسة شعرية جديدة، والحقيقة أنها مهزلة -تضحك الثكلى- فناظر المدرسة لا يعرف الفرق بين الدراما والميلو دراما ولا كيف يصوغ أسلوبا ملحميا وقبل ذلك كله لا يعرف كيف يكتب قصيدة واحدة موزونة فهو في الشعر مازال يعتمد على النسخ من أستاذه والبناء على منواله أما خارج هذا الإطار فلا..
- هل توافق على ما أطلقه عليكم بعض النقاد بأنك صاحب" رومانتيكية جديد؟
- الرومانسية الجديدة ربما كنت مبدعها، والحقيقة أننا كنا في حاجة إليها، فهي لون شعري جميل خاصة أن الشعر العربي ممتليء بالصخب والكآبة.
- الشعر والحياة، كيف تراهم خلال شعركم؟
-في اعتقادي أن الحياة في صورتها الحقيقية قصيدة، لكنها قصيدة معاشة لذا لا أستطيع أن أفصل بين الحياة والشعر.
- أمنية أو نصيحة توجهها للشباب المصري والعربي؟
نصيحتي للأدباء والشعراء الجدد.. كن صوتك أنت ولا تقلد أحدا. فالنسخة المكررة لا تعيش، وحتما يتم التخلص منها.. كن أنت بملامحك حتى وإن كانت خالية من الحسن... لا ترتدي أقنعه واحذر التقليد.