الدكتور طارق معوض - نقيب العاملين بالتربية الخاصة والأستاذ بجامعة القاهرة لـ"الفتح اليوم":

حوارات
طبوغرافي

حوار: أحمد الجعبري

أنصفنا الرئيس السيسي حينما أعلن أن 2018 عام ذوي الإعاقة

الأمية في المعاقين تتخطى 99% ونحتاج إلى مناهج تعليمية متخصصة ومعلمين مدربين لهم

غرامة 100 ألف ج لمن يتخلف عن توظيف المعاقين.. وقانون 5% تم إلغاؤه

نناشد وزارة الصحة تخصيص حجرات بالمستشفيات لتوعية الأمهات وخدمة الأطفال ذوي الإعاقة

الجهات الحكومية غير معدة للتعامل مع ذوي الاحتياجات وتراهم إما معاقين أو متخلفين عقليا

 

الدكتور طارق معوض، أحد نماذج مصر المشرفة ممن استطاعوا أن يتحدوا إعاقتهم ويجعلوا منها وقودا للنجاح والتميز.. وهب حياته لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة لأنه أصدق من يشعر بآلامهم ويعلم احتياجاتهم وتحدياتهم.. أنشأ أول نقابة للعاملين بمجال التربية الخاصة، وأول وحدة للإعاقة بالمجلس القومي لحقوق الإنسان.. وشارك بإعداد قانون جديد يفتح باب الأمل لكل معاق بمشاركة مجتمعية حقيقية.. أول من جعل  أطروحتيه للماجيستير والدكتوراه  لذوي الإعاقات وخاصة البصرية وقدم للعالم العربي أول كتاب طرق تدريس بلغة "برايل" للغة العربية للمكفوفين.،يتمنى أن يعلم كل إنسان أن المعاق شخص عادي يستطيع الإنتاج والمشاركة في بناء الوطن إذا ما اعتنينا بهم ووفرنا لهم ما يحتاجونه من تأهيل وإمكانات.. وإلى نص الحوار

من هو الدكتور طارق معوض،  وكيف كان مشواره التعليمي؟

أنا من مواليد القاهرة، كنت مبصرا إلى بداية فترة الشباب، وبعدها ابتليت بفقدان البصر فحولت مسار تعليمي من المدارس العادية إلى مدارس المكفوفين، والتحقت بكلية الآداب قسم اللغة العربية جامعة عين شمس، ثم دخلت مجال البحث العلمي في مرحلة الماجستير في جامعة القاهرة، في كلية الدراسات التربوية، وكان الماجستير عن معلم اللغة العربية للمكفوفين وحصلت على درجة الماجستير بتقدير ممتاز في عام 1998م، وبعدها دخلت مرحلة الدكتوراه وكانت أول دكتوراه في اللغة العربية للمكفوفين، وقبل حصولي على الدكتوراه عملت في الجامعة وكنت أحاضر فيها، وبعد ذلك أشرف على رسائل الماجستير والدكتوراه في مجال الإعاقات – بصفة عامة – في قسم المناهج وطرق التدريس، والحمد لله أنا متزوج ولي ابن وابنة.

ما إسهامات الدكتور طارق معوض لذوي الاحتياجات الخاصة؟

أنا الحمد لله تعالى أول كفيف يكون عضوا بالمجلس القومي لحقوق الإنسان وأنشأت أول وحدة للإعاقة به، وأول كفيف يعمل مستشارا للمجلس القومي لشئون الإعاقة للتعليم، وأول من خصص رسالة دكتوراه في اللغة العربية للمكفوفين، وأول من ألف كتاب طرق تدريس برايل للغة العربية للمكفوفين.

بالنسبة لقانون الـ5% لذوي الاحتياجات الخاصة، هل ترون أن هذا القانون عادل، أم أنه يحتاج إلى المراجعة كما وكيفا..؟

لا يوجد الآن ما يسمى بقانون الـ5 %، وهذا كان قانون رقم35 لعام 1975م ويسمى بقانون الأشخاص ذوي الإعاقة، ولكن تم تعديله وتطويره إلى أن صدر قانونا جديدا في عام 2018م، وهو قانون رقم 10 لسنة 2018م، وهذا القانون تناول الأشخاص ذوي الإعاقة من عدة جوانب، من جانب التعليم والصحة والإسكان والعمل.. كله هذه الجوانب تناولها هذا القانون، أما قانون الـ5% قانون يتكون من 51 مادة، ومكون من مجموعة من الأبواب والفصول، التي تتناول احتياجات الإنسان المعاق ولكن ولله الحمد ناقشنا هذا القانون – وأنا كنت أحد أعضاء لجنة المناقشة – وتوصلنا إلى العديد من المواد الحقوقية المرضية التي أضفناها لقانون 2018.

ما أهم البنود التي كانت في قانون 35 لسنة 1975م، وتم تعديلها، وكيف ترى أن عام 2018م هو عام ذوي الاحتياجات الخاصة من الجانب التشريعي والقانوني؟

الفروق الكبيرة تكاد تكون في تغليظ العقوبات على أصحاب الأعمال ممن يتهربون من توظيف المعاقين لديهم لأنهم كانوا يدفعون غرامة بسيطة وهي 100ج ولا يقبلون المعاقين، ولا يجد ذوو الإعاقات مجالات للعمل، فتم تغليظ العقوبات بشكل أكبر، فتم فرض غرامات كبيرة جدا تصل إلى 100 ألف جنيه تدفع دفعة واحدة لمن لا يوظف المعاق لديه، وإذا لم يلتزم صاحب العمل بعد المرة الأولى التي فرض عليه غرامة فيها، تغلق شركته تماما لمدة شهر، وبعد ذلك تصبح قضية في المحكمة، وتغلق شركته تماما؛ فبهذا يضطر صاحب العمل إلى تشغيل أصحاب الإعاقات، ويفرض ذلك على كافة جهات القطاع الخاص.

هل بدأ تطبيق هذا القانون؟ أم أنه ما زال لم يفعل بعد؟

قانون 10 لعام 2018م تم التصديق عليه بالفعل، ولكن اللائحة التنفيذية لم تعرض بعد، ومعنى قانون الـ5% أن يجعل كل صاحب مؤسسة نسبة 5% لأصحاب الإعاقات إجباريا في كل الهيئات داخل الجمهورية.

وهل يكون للمعاقين نفس حقوق الآخرين في الرواتب وكامل المستحقات؟

المفروض أن لهم الحقوق نفسها، ولكن بعض أصحاب الشركات يقتطعون منهم البدلات ويحرمونهم من بعض الحقوق، والجهات الحكومية في مصر غير معدة للتعامل مع ذوي الإعاقات، يعني على سبيل المثال لا يوجد موظف في أي قطاع يفهم لغة الإشارة للتعامل مع الصم والبكم، وليس لديهم خبرة في التعامل مع أصحاب الإعاقة العقلية البسيطة، فكل هذه الإعاقات بالنسبة لكثير من الناس مشاكل وعقبات في العمل، فالكفيف عنده أعمى، وصاحب الإعاقة العقلية يسمى متخلف.. وهكذا، وبالتالي لا يسمحون لصاحب الإعاقة بالعمل الدائم، بل يجعلونه يأتي يوما واحدا في الشهر لكي يقبض راتبه، وبالتالي ليس له حوافز، ولا بدلات؛ بحجة أنه لا يحضر، ولا يعمل، ولا يدخل الدورات التنموية التي تقيمها المؤسسة، وبالتالي يحرم المعاق في حقه من الترقية والتدرج الوظيفي، وأكبر دليل على ذلك أنك لا تجد مديرا لشركة أو رئيس عمل معاقا في مصر.

على الرغم أن كثيرا من أصحاب الإعاقات لديهم قدرات ممتازة في الأداء، فأنا على سبيل المثال معاق إعاقة بصرية، ولكن أستطيع أن أؤدي في مجالي مثل المبصرين تماما، وتخرج من بين يدي أساتذة في الجامعات ومتفوقين كثر ولله الحمد، ولا أدلّ على ذلك من أنني قد وصلت إلى درجة علمية مثلي مثل المبصرين، وهذا نتيجة عمل ومشقة كبيرة جدا؛ لأن الكفيف حتى يصل إلى ما يصل إليه المبصر يجتهد أضعاف اجتهاده.

-أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي أن عام 2018م هو عام ذوي الاحتياجات الخاصة؟ كيف استفدتم من هذا الدعم؟

لما حُدد أن عام 2018م هو عام المعاقين بدأ الاهتمام الفعلي بالمعاقين، وأقيمت المؤتمرات والندوات الكثيرة ولكن لا بد أن يحول كل هذا إلى أرض الواقع، وتنفيذ كل التوصيات التي أعلنتها تلك الندوات والمؤتمرات، وقد استفدنا أيضا أن وزارة التضامن الاجتماعي أصبحت راعية للمعاقين، صحيح ليس بنسبة 100%، ولكن زاد الاهتمام كثيرا عما سبق، وهذا مؤشر إيجابي، لأنك إذا بدأت خطوة على الطريق الصحيح، فحتما ستكمل أو ستقطع شوطا لا بأس به.

هل هناك دعم علمي وتربوي لتعليم ذوي الإعاقات، وكيف تقيم وضعهم التعليمي سواء أكانوا طلبة أم معلمين؟

يكفي أن تعلم أن نسبة التعليم في مصر من ذوي الاحتياجات الخاصة لا تتعدى 1% أو ½%، أي أن الأمية أكثر من 99%، وبالأرقام لدينا في مصر حوالي 15 مليون معاقا، الذين في سن التعليم منهم حوالي 2 مليون معاقا، منهم 38 ألف في مدارس التربية الخاصة، والباقي خارج نطاق التعليم، يعني أقل من 1%، أما المعلمون فعندنا ثلاثة أنواع من المعلمين؛ معلم خريج تربية خاصة، ومعلم يدرس بدون تخصص تربية خاصة، والنوع الثالث هو معلم مدارس الدمج، ولكن نسبة المعلمين المقدمة لهم هم دون تخصص التربية الخاصة والمتخصصين منهم المعينون لهم قلة قليلة جدا، وهؤلاء لا يعرفون كيفية التعامل مع المعاقين، وأيضا المعلمون المتخصصون في التربية الخاصة يجهلون الكثير من أمور التعامل مع المعاقين؛ لأنهم يجهلون أمر التدريب المستمر ولا يقدم لهم وسائل التطوير المستمرة، ولعل أكبر المشاكل الحقيقية الموجودة في قضية تعليم المعاقين هي مشكلة الدروس الخصوصية، فللأسف الشديد طالتنا هذه الآفة الكريهة، أما بالنسبة لمعلم الدمج غير المدرب فيكون معه في الفصل ثلاثة أو أربعة من الطلاب من ذوي الإعاقات العقلية البسيطة، أو الإعاقات السمعية، فيتم إهمالهم بسبب عدم خبرة ودراية معلم الدمج، فيتأخر مستوى هذا الطالب عن زملائه، فيحدث عنده نوع من الإحباط، فيكره التعليم وربما ينقطع عنه تماما ولا يكمل، ولهذا أصبحت المدارس في مصر للطرد وليس للجذب.

والمطلوب صناعة مناهج تراعي سمات واحتياجات ومتطلبات المعاقين من التلاميذ، أما المناهج الموجودة الآن الخاصة بالمكفوفين – مثلا – هي نفس مناهج المبصرين، ومناهج الصم هي نفس مناهج العاديين من الطلاب، ولكن بفارق في مرحلة التعليم، بأن يجعلون منهج الصف الأول الابتدائي للثاني الابتدائي للمعاقين.. وهكذا.

ولهذا فأغلب من يتخرجون من المدارس الثانوية الفنية الخاصة بالصم يكادوا يكونون أميين تماما لا يعرفون القراءة أو الكتابة، وأنا ناديت كثيرا بمراعاة مناهج ذوي الإعاقة منذ الحضانة وحتى انتهاء مراحل العليم.

والمسئولية في نطاقها الأول توجه إلى الأهل ثم المجتمع بصفة عامة وأكيد يشاركهم الجهات الحكومية المعنية بهم.

كيف تقيم دور الأسرة في نظرتها للمعاق المعاقين، وكيف نحسن هذه الرؤية ؟

في مصر هنا لدينا ثلاث أنواع من الأسر في تعاملها مع المعاق؛ الأول نوع يجعل الإعاقة عارا ويخفي ابنه عن الناس، والنوع الثاني يعتبر الإعاقة مرضا مانعا له من حقه في التعليم وغيره، والنوع الثالث وهو النوع الأقل وهم الذين يبحثون عن المدارس المناسبة لكي يعلموا ابنهم.

 أما الواجب فعله هو مجموعة أشياء؛ أولها برامج توعوية في وسائل الإعلام، وأن يتقوم كليات التربية بعمل الندوات والدورات وغيرها لنشر ثقافة من هو المعاق، فإذا كانت هناك توعية من البداية منذ الولادة مباشرة، فتكون هناك دورات تدريبية للأمهات حتى إذا وصل إلى سن الحضانة يكون اكتسب المهارات المطلوبة منه مثل الطفل الطبيعي، ويجب على وزارة الصحة أن تخصص حجرات بالمستشفيات لتوعية الأمهات بالتعامل مع الأبناء ذوي الاحتياجات الخاصة، ويجب أن يكون هناك قوائم بكل المدارس المختصة لهؤلاء المعاقين، وبالمستشفيات ودور الرعاية؛ لأن هذه الأمور غير موجودة.

ما الذي تطمح أن تراه من خدمات لذوي الاحتياجات الخاصة؟

الأمر الأول هو التوعية، وتكون توعية حقيقية ليست مجرد دورات عقيمة أو بنود لا واقع لها، ومعاملة ذوي الاحتياجات الخاصة الطريقة اللائقة وعدم إهمالهم، لأن ذلك يترك في نفوسهم الإحباط واليأس، فلا بد أن نشعرهم بأنهم أشخاص أسوياء لا غنى للمجتمع عنهم، ونشر الثقافة والتوعية بمتطلبات واحتياجات ذوي الإعاقة.

لماذا لا تكون لدينا وزارة لذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة؟

لقد طلبناها أكثر من مرة، ولكن لا أحد يستجيب لنا. ونسأل الله تعالى أن يوفقنا ويهدي لنا المسئولين.. كما أناشد فخامة الرئيس الاستجابة إلى مطالبنا ونحن نقدر جيدا اهتمامه وعنايته بالمعاقين في مصر وأنه جعل عام 2018 كله للمعاقين.