حوار الدكتور أحمد عمر هاشم، رئيس جامعة الأزهر الشريف الأسبق للفتح اليوم:

حوارات
طبوغرافي

حوار: أحمد الجعبري

 

أحد أقطاب الدين الإسلامي.. مفكر وفقيه ومحدث... عُرف بوسطيته الصوفية المعتدلة، وغيرته على سنة نبيه الكريم، خاض العديد من المعارك الفكرية والقانونية ضد كل متطاول أو حاقد على دين الله تعالى حاول أن يبث سمومه وتطرفه.. اختاره النبي الكريم حارسا لسنته فأهداه ستة عشر مجلدا في شرح صحيح أحاديثه للبخاري، دائما ما تقدره القيادة السياسية لدولة، وتوليه مسئولية أمنها الفكري.. عينه الرئيس مبارك رئيسا لجامعة الأزهر الشريف وعضو بمجلسي الشعب والشورى، وتقلد بأسمى جوائز الدولة التقديرية وأرفع أوسمتها اعترفا بفضله وتقديرا لقدره العظيم

 كيف كانت نشأتكم الريفية وكيف أثرت عليكم؟

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين، كانت نشأتي في ريف قرية الشيخ أبو هاشم من بني عامر بمركز الزقازيق، محافظة الشرقية، في جو ديني، وتعايش على العلم الشرعي وتلاوة للقرآن الكريم والأحاديث النبوية المشرفة، والحياة الصوفية الجميلة، فنشأت في باكر طفولتي في هذا الجو الذي كان يصحبني فيه والدي إلى مجالس العلم وإلى أقرانه وزملائه من العلماء، مما جعل في نفسي حبا للعلم وللتدين والتصوف والطاعة، منذ صغري، وهذا يدلنا على أهمية الأسرة، وأهمية رعاية الوالدين للأبناء.

ضا كان كُتاب القرية الأساس الذي كنا نتعلم فيه إلى جانب المدرسة التعليمية الأولى، وهي المسماة بالمدرسة الابتدائية أو الأولية، فكنا – ونحن صغار – نذهب في الصباح إلى المدرسة، وبعد الظهر نذهب إلى الكتاب لحفظ القرآن الكريم، فحفظت القرآن الكريم منذ الصغر في كتاب القرية، وكان شيخ الكتاب في هذا الوقت يسمى الشيخ محمد عبد رب الرسول، وكان عالما إلى جانب كونه محفظا للقرآن الكريم، فكنا نتعلم منه القرآن بتفسيره وتجويده، وهذا يشير إلى أهمية الكتاتيب في القرى، فقد جفت القرى من الكتاتيب اليوم، فيا ليتها تعود، فقد كانت مصابيح تنير للناس طريقهم، وتملأ حياتهم بروحانية الإيمان والقرآن، كتاتيب القرية خرجت العلماء، وخرجت الأئمة، أين هي اليوم؟ لا وجود لها، وهذا يدعونا إلى دعوة المسئولين على كل الأصعدة على إعادة بعث الكتاتيب، لا أقول في القرى وحدها، بل في المدن أيضًا، واتخاذ مقرات لهذه الكتاتيب إما في المساجد أو في المدارس بعد الظهر؛ لأن القرآن الكريم دستور الحياة الإسلامية، يعلم الناس العلم والخير، ويمهد لهم طريقهم إلى الفلاح في الدنيا والآخرة.


هل الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" هو من أرشدك للتخصص في علم الحديث الشريف؟


بفضل الله تعالى ومنه، رأيت فيما يرى النائم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا، ورأتني أمشي خلفه وهو يطوف بالكعبة، وهذه الرؤيا ما زالت في مخيلتي حتى هذه اللحظة، فلما استيقظت وقصصت الرؤيا على والدي، قال لي إن الذي يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه فقد رآه حقا – كما أخبر بذلك النبي الكريم، ومعنى هذا أنك ستحج، ولكن كيف لك هذا وأنت ما زلت طالبا، الأمر الثاني أنك ما دمت تمشي خلفه فإنك ستهتدي بهداه، وتقتدي به، وتتخصص في سنته، ولقد تحقق كل هذا ولله الحمد، فبعد أسبوع من هذه الرؤيا وجدت من يسأل عني في الجامعة، وكان رئيس الجامعة، وأخبرني أنه تم اختيار طالبا مثاليا عن كل جامعة؛ ليؤدي فريضة الحج، ولقد اخترناك من هذه الجامعة، والأمر الثاني أنني تخصصت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم في علم "الحديث الشريف".


بماذا يتميز الأزهر الشريف، وكيف أثر فيكم؟


الدراسة في الأزهر تتميز بالوسطية والاعتدال، والتفقه في الدين، وكانت الأسرة تعقد أكبر الأمل على أن أكون أحد علماء الأزهر الشريف، حيث إنهم كانوا ينشدون أن يرزقهم الله ولدا يهبونه للأزهر، وكانت هذه رغبة الوالدين – رحمهما الله، وما إن وفدت إلى الحياة حتى بدأت في حفظ القرآن الكريم، وكنا قديما لا نلتحق بالأزهر إلا عندما نحفظ القرآن الكريم، يعني إذا تقدم الطالب إلى الالتحاق بالأزهر فإنه كان يُختبر اختبارا شاملا في القرآن الكريم، فإذا نجح فيه يتم قبوله، فيلتحق بالمرحلة الابتدائية.
والتعليم الأزهري منذ الصغر يؤسس الطالب على التفقه في الدين ومعرفة الحلال والحرام، وعلى مراقبة الله والخوف منه، وعلى السير على الجادة.. كل هذا استفدناه من التعليم في الأزهر ومن كتب الأزهر، التي – للأسف – يقال اليوم نريد تغييرها وتبديلها، وهذه الكتب ما غيرت أحدا وما كانت إلا خيرا على كل أزهري تثقف في ثقافة الأزهر.


قص لنا كيف كانت كواليس أول خطبة لكم؟


كان ذلك حينما التحقت بمعهد الزقازيق الديني، وكان الطالب الأزهري أيامها وإن كان في المرحلة الابتدائية يعتبرونه شيخا، ويقدمونه في مسجد القرية ليصلي بالناس، ويسألونه ويستفتونه، فكانت قيمة الأزهر الشريف كبيرة، وكنت في المرحلة الأولى الابتدائية في الأزهر، وكان شيخنا الشيخ محمود أبو هاشم يأتيه أناس يريدون أن يفتتحوا مسجدا ويطلبون منه أن يخطب بهم الجمعة، فقال لهم أنا لا أستطيع أن أترك مسجدي، ولكن تلميذي فلان – يقصدني – يستطيع أن يؤدي بكم خطبة الجمعة، ووثق في وأنا في هذه السن الصغيرة أن أخطب الجمعة بالناس، فأعددت للخطبة إعدادا جيدا لدرجة أنني كلفت أحد زملائي بتذكيري إذا نسيت جانبا من الخطبة، كي لا تضيع صلاة الناس، ولكن كان عندي حسن ظن بالله تعالى أن يوفقني، فأديت الخطبة وكانت الأولى لي وأنا في الحادية عشرة من عمري، وأعجب الناس بها وطالبوا أن أكررها مرات ومرات، وكنت سعيدا بأول خطبة ارتجالية لي في حياتي، وأنا في بداية المرحلة الابتدائية في الأزهر الشريف، وهذا يعطي انطباعا إلى أن التعليم الأزهري منذ الصغر كان على درجة عالية.


يخرج علينا بين الحين والآخر بعض المنتسبين إلى الأزهر الشريف بأفكار ومعتقدات شاذة ويروجون لها، كيف تراهم وكيف تجيب عليهم؟


وهناك نوع من علماء الأزهر وهم الأغلبية تخرجوا منه وتثبتوا في العلم، وهؤلاء أهل علم نثق فيهم، ولكن المشكلة فعلا أن هناك من لبسوا مسوح العلماء وهم أبعد ما يكون عن العلم، وحاولوا أن يقدموا فكرا مغشوشا للأمة ولشبابها، وحاولوا أن يكذبوا بعض كتب السنة الصحيحة كصحيح البخاري، الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، والذي أجمع علماء الأمة على ذلك، وبعد ذلك يخرج علينا من يطعن في صحته، ويسيء إلى علماء الإسلام، فهؤلاء ينتمون زورا وبهتانا إلى العلم، وهم أبعد ما يكون عنه، ومما لا شك فيه أنهم انخرطوا مع الذين يحاولون أن يقدموا فكرا متطرفا وعدوانيا لحاجة في أنفسهم، وهؤلاء نحذر منهم الأمة ونحذر منهم أصحاب الفضائيات، ونقول لأصحاب الفضائيات الذين سمحوا لأمثال هؤلاء إنكم شركاء لهم في هذا الإثم العظيم، وسيحاسبكم الله لأن قنواتكم تنشر السم في عقول الشباب والفكر الشاذ والمغشوش.


حياتكم بحمد لله تعالى مليئة بالجوائز والتكريمات ما أفضلها لكم؟


بحمد الله تعالى وفضله حصلت على جائزة الدولة التقديرية، وبعدها حصلت على جائزة النيل وهي أعلى جائزة في الدولة، وذلك بعد أن قدمت للمكتبة الإسلامية مائة وعشرين مؤلفا مختلفا كان آخرها شرح صحيح البخاري في ستة عشر مجلدا. وقد مكثت سبعة عشر عاما متواصلة في شرح صحيح البخاري كاملا بفضل الله عز وجل، في ستة عشر مجلدا، كل مجلد قرابة الستمائة صفحة، وكل حديث مشروح وفي آخره ما يستنبط من الأحكام الفقهية، وطبعته دار الشعب، وهو يعد آخر شروح صحيح البخاري إلى يومنا هذا ولله الحمد.


كيف تستفيد الدولة من وقف وزارة الأوقاف، وكيف تُستثمر هذه الأموال في المشروعات القومية؟


الوقف يكون مقيدا بشروط الإنسان المسئول عنه كما هو معلوم من الدين، بأن شرط الواقف لا بد أن يُحقق، يعني الشرط الذي اشترطه الواقف يكون كنص الشارع، يعني كالنص القرآني لا بد أن نطبقه، فإذا شرط الواقف أن هذا الوقف يكون فقط للأعمال الخيرية وللفقراء والمحتاجين لا يُصرف إلا في هذا الأمر، وإذا شرط الواقف أن هذا المال موقوف على المساجد فقط لا يوزع إلا على مصارف المساجد.. وهكذا فالشاهد هو أن تستفيد الدولة من مال الواقف كما تشاء ولكن بموافقته فالأصل أن يصرف هذا المال في الوجه الذي حدده الواقف.


بالنسبة لأموال الزكاة ما الحكم الشرعي لها أيضا في دخولها تلك المشروعات؟


هنا لدينا دستورنا الذي يحكمنا في هذا الأمر وهو القرآن والسنة، فالقرآن الكريم حدد مصارف الزكاة في آية سورة التوبة، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾. [التوبة: 60]. فالقرآن حدد ثمانية مصارف للزكاة وهي فقط أوجه الصرف ولا يجوز التعديل عليها بالإضافة.


هناك من ينكرون علينا حب الوطن، كيف نظر الإسلام لقضية حب الوطن وحث عليه؟


حب الوطن من الإيمان، والإسلام ما شرع الجهاد في سبيل الله إلا من أجل الدفاع عن الأوطان، وعن الأرض والعرض والعقيدة والدين، ونؤكد أنه ما شرع الجهاد إلا من أجل هذا، والرسول صلى الله عليه وسلم نفسه كان القدوة في هذا، وحينما خرج مهاجرا من مكة قال: " إنك أحب بلاد الله إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت"، فبيَن كيف يكون الانتماء وحب الوطن، وكان قدوة في هذا، فحب الوطن من الإيمان، والذي يدعي غير ذلك فهو مخالف لشرع الله تعالى.
نريد من فضيلتك توجيه رسالة إلى الشعب المصري بالاصطفاف حول القيادة السياسية للدولة وخاصة في حربه ضد الإرهاب
الاصطفاف حول رئيس الجمهورية هذا واجب، لأننا أمرنا أن يكون اختيارنا للقيادة التي تقود الأوطان، أن يكون رجلا كفؤا، وأن يكون عارفا بربه، وأن يكون حاكما عادلا، ورأينا فيه القيادة للجيش في فترة من أصعب الحقب التي مرت بالبلاد، كل هذا يدعونا إلى الالتفاف ووحدة الصف، وألا نتفرق وألا نسمح لتيارات الفتنة والفرقة أن تتسلل بين صفوفنا.


كيف نحصن المجتمع المصري والمجتمعات العربية لدحض أفكار إشعال الفتن بين الطوائف العربية؟


بأن ننشر الدعوة إلى الوحدة الوطنية، وأن ننبذ الفرقة والفتن الطائفية التي ينحو نحوها أهل الباطل، لأنهم يريدون تفريق المجتمع، وتمزيق الأمة، وغرس العداوات بين المسلمين والأقباط، بيد أن الإسلام أمرنا أن نكون مهادنين وإنسانيين في مجتمعاتنا، وأن نعيش مع جيراننا في أمن وسلام ووحدة وطنية، والنبي صلى الله عليه وسلم كان أول عمل عمله بعد أن هاجر إلى المدينة وآخى بين المهاجرين والأنصار وبنى المسجد، وضع صحيفة المدينة بين المسلمين وغيرهم من غير المسلمين.