الفتح اليوم ترصد الوجه الآخر للرئيس

تحقيقات
طبوغرافي

عندما تفتش فى حياة عبدالفتاح السيسى الإنسان تصاب بالإنبهار وتدفعك للوقوف عند مواقع الجدعنة والزهد فى حياته، فالرجل الذي حمل رأسه على كفيه ليحمي الوطن من عصابات الغدر الإرهابية استطاع أن يسكن قلوب المصريين من الباب الواسع وهو باب الحنان والتعاطف والحنو والطبطبة، لا يبيع للناس كلاما والسلام، ليست مشاعر مصطنعة ولا من قبيل الخداع السياسى، بل يمكن أن تدمع عيناه إذا تعرض لموقف إنسانى رأى أنه أكبر من تحمله، لذا لم يكن غريباً أن يقف الجميع عند تعبير بيان القوات المسلحة الذي صاغه - المشير السيسي وزير الدفاع حينها- بنفسه: "إن هذا الشعب الكريم قد عانى ولم يجد من يرفق به أو يحنو عليه".. في حلقات مسلسلة ترصد "الفتح اليوم" جوانب خفية من حياة الرئيس السيسي تكشف عن الوجه الخفي للرئيس اختفي قصراً تحت سطوة السياسة والتفرغ للمشروع الوطني .

تربية وسطية
نشأ عبد الفتاح السيسى في حى الجمالية الشعبى ذو الطبيعة الروحانية التى استمدها من قربه من منطقة الحسين والأزهر بين أسرة متوسطة تدين بالإسلام على طريقة الأسرة المصرية المعتدلة ترفض حالة التشدد المقيتة والتضييق والمزايدة على إيمان البشر ، فوالده الحاج سعيد السيسى، تاجر الصدف والأرابيسك بخان الخليلى كان حريصاً علي تحفيظ أولاده الثلاثة «أحمد وعبدالفتاح وحسين» القرآن الكريم والصلاة علي وقتها، فالأسر المصرية فى الغالب تحرص على تعليم وتحفيظ أولادها القرآن الكريم، إن لم يكن لأسباب تتعلق بالإيمان والعقيدة، فلأسباب تتعلق بأن القرآن قراءة وحفظا، يمكن أن يساعد فى تطوير لغة من يداوم عليه.
وكان لابد أن يجلس الأبناء الثلاثة أمام محفظ يلقنهم القرآن قراءة وحفظا في مسجد «أم الغلام» الواقع في المنطقة ، ورغم أن عبدالفتاح كان الابن الأوسط، فإنه كان الأكثر اجتهادا والأحرص على الحفظ والتحصيل من أخويه، ومن أبرز عاداته التى بدأها فى حى الجمالية الاستيقاظ مبكرًا، للحاق بصلاة الفجر في مسجد «سيدى على الأتربي» المجاور لمنزله ، ثم بعد ذلك يخرج لممارسة رياضة الجرى لأكثر من ساعة بشكل يومى وربما يكون من المفارقة أن معظم إخوة وأخوات الفريق السيسى من خريجى جامعة الأزهر بكلياتها المختلفة فوالده تزوج مرتين، الأولى والدة الفريق السيسى الحاجة سعاد، وأنجب منها كلا من أحمد وعبدالفتاح ورضا وفريدة وحسين وأسماء ومنى وزينب وجيهان ومحمد وبوسى والثانية فكانت السيدة حسنية وأنجب منها إيمان وسحر وعبدالله وعلاء لتكتمل العائلة بخمسة عشر ابنا وابنة فى بيت الحاج سعيد السيسى.
الأم
من أبرز مشاهد تدين الإبن عبد الفتاح، حرصه علي أن يكون باراً بأمه يجلس إلي جوارها رحمها الله، كان يرفض أن تقيم عند أحد من أشقائه، تقيم معه هو، لا ينام أبدا إلا بعد أن يمر عليها، يجلس إلى جوار سريرها، وبعد أن يطمئن على حالتها الصحية، يظل يقرأ القرآن وهو إلى جوارها، ولا ينهى القراءة إلا بعد أن يتأكد أنها راحت فى النوم..يحرص على أن تخصه طوال الوقت بدعوة تحرص على أن تسمعه إياها، تقول له: ربنا يوقف لك ولاد الحلال، وهى دعوة ملازمة لكل الأمهات المصريات، يضعنها فى طريق أولادهن حتى لو كانوا كبارا بما يكفى.
لدى الفريق السيسى أربعة أولاد هم على الترتيب مصطفى ومحمود وحسن وآية قرر أن يربي أبناءه على طريقة أولاد البلد المحافظين يتابع تصرفات الذكور مخافة أن يدخن أحدهم سيجارة أو يقترب من أى نوع من أنواع المكيفات، حرص على منحهم الحرية الكاملة فى اختيار شكل حياتهم حريصا على أن يكونوا ملتزمين دينيا، كان يشغله كثيرا وهم صغار حرصهم على الصلاة فى أوقاتها وجماعة فى المسجد، كان من الطبيعى لهذا الالتزام الدينى والاجتماعى أن ينعكس على الدور الذى لعبه السيسى فى حياة أولاده العملية، فرغم أنهم يشغلون مراكز مهمة الآن فإنه فعليا لم يتدخل لأحد منهم كى يلحقه بوظيفة معينة، ولم يرفع سماعة التليفون من أجل التوسط لأحد من أبنائه.
ويكفي ماقاله الدكتور مصطفى الفقى عن موقف كان طرفا فيه، بأن السيسى لم يتدخل من أجل إلحاق ابنه بوزارة الخارجية، وكان قد تقدم لاختباراتها ولم يحالفه التوفيق، وكان يمكن للرجل أن يتحدث أو يوصى أو يتدخل، لكنه لم يفعل ذلك، فقد ترك ابنه يخوض تجربته بنفسه، ولما لم يوفق لم يتدخل على الإطلاق.. هذا الموقف يعد دليلاً على نبل السيسى وحياده، وعدم استغلال منصبه أو نفوذه.
الأقباط
ربما كان من وسطية تدين السيسي حرصه علي أن يكون أول المهنئين للمواطنين الأقباط خلال الاحتفال بعيد الميلاد المجيد في الكاتدرائية ، بما تعكس من رسائل التشديد القوى على وحدة المصريين ، فالمؤمن يعرف قيمة أن تقام العبادات فى بيوت الله، ويؤمن بأن الله تعالى خلق الوجود كله بتنوع وأن الاختلاف سنة كونية، وإرادة إلهية لاتؤدي للصدام .
ويكفي تعبير السيسي : ".. كلنا بنحبكم.. إحنا كلنا مصريين مفيش حد اسمه مصرى إيه مسلم ولَّا مسيحى كلنا واحد.. ربنا خلقنا مختلفين فى كل حاجة محدش يقدر يخلى الناس كلهم واحد.. يا رب أنا فى بيت من بيوت الله وبقول يا رب الاستقرار لمصر.. ويارب اغننا بفضلك عمن سواك..نوجه رسالة إلى كل العالم رسالة سلام ومحبة.. إحنا بفضل الله بنقدم نموذج للمحبة والسلام بيننا وبين بعضنا.. هيخرج السلام من مصر وهيعم العالم كله.. عمر الشر وعمر الخراب والتدمير ما يهزم الخير والبناء والسلام أبدًا".
وربما هذا مادفع البابا تواضروس، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، للتأكيد علي أن السيسي لديه قدرة الإيمان، ففي كل مرة يتحدث بها يذكر اسم الله، وبالتي فهو ماشي صح، وعين الله تراه .
نشأة صوفية
صوفى على الطريقة الجعفرية
أسرته يرجع نسبها إلى قبيلة الأشراف المغازية
كان الحاج سعيد، صاحب التأثير الأكبر في نشأة السيسي الدينية فقد عُرف الحاج سعيد رجلًا متدينًا، محافظًا، غير متشدد، محبًا للموسيقى وسماع أغانى أم كلثوم، سخيًا وكريمًا ويراقب الله في كل تحركاته، وتكشف روايات متواترة عن انتمائه إلى طريقة المرازقة الأحمدية– إحدى الطرف الصوفية السنية المتفرعة عن الطريقة الأحمدية، التي تنسب إلى الشيخ أحمد البدوى، الذي بدأ نشر طريقته من طنطا في مصر، وتفرعت منها نحو ١٨ طريقة، منها المرازقة ، وأن الحاج سعيد لم يكن مجرد مريدًا في «المرازقة» بل كان شيخًا لها عن منطقة الجمالية بمصر القديمة، وهو أمر يعلمه كبار مشايخ الطرق الصوفية في مصر الآن، غير أن أيا منهم رفض أن تنقل على لسانه بشكل شخصى.
والثابت أن أحدًا لا يستطيع الجزم بأن السيسي يتبع طريقة صوفية بعينها، لكن هناك من يربط بين صوفية والده على الطريقة «المرازقة»، وصوفية شيخه إسماعيل العدوى على الطريقة «الخلوتية»، ليصل إلى نقطة أن «السيسى صوفى على الطريقة الجعفرية» التي تعد إحدى الطرق الصوفية المنبثقة عن الطريقة الأحمدية، وتتمركز بشكل أساسى في مصر والسودان، ويعد الشيخ على جمعة، مفتى الديار المصرية السابق أبرز المنتمين إليها في مصر.
حياة السيسي المحاطة بالقرب من الله والتفاني في العمل كان لها تداعياتها الكبيرة علي حياته وربما كان هذا سر تلقائيته في الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة فى كلامه العادى ، ولا يخلو حديث له من ذكر الله، قسمًا أو طلبًا لـ«المدد»، فهو لا يلجأ إلى الدين من أجل الخداع، ولكن من أجل الإقناع، وربما للتدليل أحيانا على وجهة نظر معينة.
وربما يلفت نظر الكثيرين البرواز الذي يظهر عفوياً على الحائط المواجه لمكتبه كلما نشرت له صورة رسمية من الرئاسة، وتحمل الآية «101» من سورة يوسف: «رب قد آتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليى في الدنيا والآخرة توفنى مسلمًا وألحقنى بالصالحين» وهي ماتعني أن الرجل يصنع جدارًا سميكًا يمنع الكشف عن علاقته مع الله.
يتعامل السيسى مع تدينه على أنه شىء بينه وبين ربه، فى ملفات عبد الفتاح السيسى التى لا يقترب منها أحد معلومة عابرة لم يتوقف أمامها الكثيرون، فأسرة السيسى يرجع نسبها إلى قبيلة الأشراف المغازية، أحفاد قبيلة بنى سليم الذين قدموا من المدينة المنورة، هو من الأشراف إذن، لكنه لا يلح أبدا على هذه المعلومة ولا يستخدمها، فالأشراف الحقيقيون هم من يعتبرون النسب حجة عليهم، ولا يمنحون أنفسهم حق أن يكونوا هم حجة على النسب ، والسيسي الذي يحفظ كلام الله وعدد من الأحاديث النبوية، يحب الاستماع إلى تلاوة القرآن بصوت الشيخ محمد رفعت والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، والشيخ الطبلاوى، ويرتبط من المنشدين بالشيخين سيد النقشبندى والشيخ نصر الدين طوبار ورد علي سؤال أي دعاء تردده في السجود؟ قائلا :: «اللهم اجعلنى من أهل الله».
شيخ ومحب
الشيخ إسماعيل صادق العدوي له الدور الأكبر في تشكيل وعيه الديني
ومن المشايخ الذين أثروا في حياة السيسي نتوقف أمام الشيخ إسماعيل صادق العدوى، الذى كان علمًا من أعلام الأزهر ووالده كان قطباً من أقطاب الصوفية فهذا الشيخ كان له الدور الكبير في حياة السيسي، وعمل إمامًا وخطيبًا للجامع الأزهر، وقبلها إمامًا وخطيبًا لمسجد سيدى أحمد الدرديرى بحى الباطنية في القاهرة ، ثم إماماً بــــ(الإمارات العربية) ثم انتدب مديراً للدعوة والإرشاد بأبي ظبي ؛ وعرف بأنه لا يخشي في الحق لومة لائم، وكان دائم العطاء والجهد ، داعياً إلي حب الله تعالي ورسوله، ويواظب علي إلقاء الدروس في العقيدة صحيح الإمام مسلم بمسجد مصطفي محمود والجامع الأزهر ويقوم بعمل مقرأة للقرآن، وكان يخصص يوم الثلاثاء لدرس النساء بمسجد السيدة فاطمة النبوية وحين تستمع إلي صوت الإمام تشعر بحالة من الخشية تنتابك، حينما تتشابك الأرواح وتتعانق الأفئدة في حب الله ورسوله فضلاً عن مشاركته في معظم المؤتمرات الإسلامية في جميع أنحاء العالم، في مصر والسعودية وأمريكا وغيرها من دول المعمورة.
كان مالكي المذهب، وكان يفتي علي المذاهب الأربعة بعلم وبصيرة وكان خلوتي الطريقة ومجاهداً بعلمه بقلمه ولسانه وسافر كثيراً إلي جبهة القتال بصفة شبه مستمرة، بين جنود القوات المسلحة البواسل، علي خط النار في القناة في عام 1973، ثم بعد ذلك في سيناء وكان زاهداً في الدنياً مردداً في كل مناسبة: "إننا تراب نعيش فوق تراب" فكان في كل ذلك، صافي السرية حاضر القلب صاحب وقار وجلال وهيبة بسيطاً، ومتحيزاً للفقراء والمساكين لدرجة أن زملاؤه كانوا يسمونه (بقطب الفقراء) ومما يروى عنه أنه كان شديد الكشف الربانى، وموضع احترام وتقدير لدى كثير من زعماء الدول الإسلامية والعربية، وأنه كان يرج المنبر والقلوب من شدة خطبه وقتها، ولا شك أن «السيسي» قد استمع كثيرًا له.
لعب الشيخ إسماعيل دورًا مهمًا في حياة «السيسي»، فقد كان حريصًا على الاستماع لخطبه، وبرامجه، ويمكن أن نقول إنها شكلت الوعى الدينى له .