كلمة : الأندلس

منوعات ...
طبوغرافي

بقلم الأستاذ الدكتور/ أحمد عادل عبد المولى

أستاذ مساعد النقد الأدبي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا

DSC_0128

اللغة كائن حيّ، تحيا على ألسنة الناس، ويحيا بها الناس أيضًا، إذ إنها وسيلة التواصل بين البشرية جميعًا، ولذلك أشبهت الهواءَ الذي لا غنى للإنسان عنه، ومن هنا يأتي هذا المقال بعنوان "نسمات لغوية"، نسعى فيه جاهدين لتقديم فائدة لغوية في لغتنا العربية.


ولأن اللغة كائن حي؛ فكثيرًا ما نستخدم في حياتنا اليومية تعبيراتٍ وألفاظًا لا نعرف أصلها اللغوي وقصتها التاريخيّة، من ذلك ما نشاهده ونقرؤه عن: حديقة الأندلس، وكافيتريا الأندلس، وقهوة الأندلس... إلى غير ذلك كثير، وكثير من الناس من يعلم أن (الأندلس) هي أرض إسبانيا والبرتغال حاليًا، وهي المعروفة قديمًا باسم شبه الجزيرة الإيبريّة، وأن (الأندلس) هو الاسم العربي لها حين فتحها العرب عام (92هـ - 711م) على يد طارق بن زياد ثم موسى بن نصير، وظل الحكم العربي طيلة ثمانية قرون حتى سقوط غرناطة في ( 897هـ - 1492م) ولكن ربما لا يعلم الكثيرون إلا المتخصصين ما سبب التسمية بالأندلس.
القصة أن هناك قبائل من المتبربرين أغارت على أرض شبه الجزيرة في القرن الخامس الميلادي قبل الفتح العربي لها، تسمى (بالـﭬــاندال)، وأسسوا مملكة على هذه الأرض أسموها: (ﭬــاندالوسيا)، وتحوّل نطق هذا الاسم (ﭬــندلس) إلى (وندلس) لعلاقة صوتية وطيدة بين الصوتين؛ فصوت الـــ (V) الذي يعبر عنه بالـﭬاء الفارسية المثلثة (ﭪ) يقابل (الواو) في اللغات الساميّة، ولذلك حرف الواو في العبرية يسمى بالـﭬاﭪ، وحرف الواو هو أداة التعريف في لهجة بربر طنجة، فعُرّب الاسم على لسان العرب من (وندلس) إلى (أندلس)، وظلّ هذا الاسم هو اسم البلاد حتى نهاية الحكم العربي بها، ولا يزال هذا اللفظ في صورته الإسبانيّة الحاليّة (إندلوثيا) يطلق على الثلث الجنوبي من شبه الجزيرة.
وربما فهم بعض الناس أن اسم (الأندلس) نفسه يعني المكان الجميل المنعم بالحدائق الغنّاء والمياه والأنهار؛ ولذلك يتهافتون على تسمية محالّهم وتجاراتهم باسمها، ولكن الحقيقة أن هذا المعنى جاء مما ارتبط به الاسم وهو طبيعة الأرض التي أطلق عليها لا أن أصل الاسم يعني ذلك.
فمن المعلوم أن أرض الأندلس كانت جنة الله في أرضه، ولطالما تغنّى بجمالها الشعراء والمؤرخون والرحالون، فهذا ابن خفاجة شاعر الطبيعة في الأندلس يقول:
يا أهل أندلـــــسٍ لله درُّكــــمُ ماءٌ وظلٌّ وأنهارٌ وأشجارُ
ما جنّــــــةُ الخــــــلدِ إلا في ديارِكــمُ ولو تخيّرتُ هذا كنتُ أختارُ
لا تختشوا بعد ذا أن تدخلوا سقرَا فليس يُدخلُ بعد الجنّةِ النارُ