فَضْفَضَةٌ أَدَبيَّةٌ ناقِدٌ في الظِّل !

شعر وشعراء
طبوغرافي

د. شعبان عبد الجيد مدرس الأدب والنقد،

بكلية التربية جامعة مدينة السادات

وَسْطَ الضجيج الأجوف الذي يملأ ساحة الإبداع والنقد، ويكادُ من سخافته ورداءته أن يُصمَّ الآذانَ ويفسد الأذهانَ ويشوه

الوجدانَ، تتوارى عن الأعين وجوهٌ أصيلة وأقلامٌ نبيلة، لم يجرفْها تيار الحداثة، ولم يُعْشِ أبصارَها بريقُ الشهرة، فتمسكت

بعروبتها، واعتزت بتراثها، وظلت وفيَّةً لتاريخ أمتها؛ لم تنبهرْ بمبتدعات الأوربيين، ولم تنطلِ عليها دعاياتُ المستغربين،

وآثرت أن تحيا صادقةً في الظل، على أن تعيش متلونةً في الأضواء، تعمل في صمت، وتبدع في هدوء، وتثري حركة الفكر

والثقافة بلا منٍّ ولا أذى. والدكتور عبد الباسط سعيد عطايا، أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر والعميد السابق لكلية اللغة

العربية بشبين الكوم واحدٌ من هذه الوجوه .

ولد في قرية طملاي بمحافظة المنوفية في مارس سنة 1958 م، وفي كتَّابها حفظ القرآن الكريم طفلاً، وكان له الأثر الأكبر في

تربية ذوقه اللغوي وتنمية حسه الأدبي ؛ فاعتادت أذنه على الكلمة العربية المطربة، وتربى وجدانه على النسق القرآنيِّ المبين.

التحق بالمعهد الديني بمدينة منوف، وظهرت موهبته في نظم الكلام مبكراً، وكان محباً للقراءة والمعرفة، يتابع الصحف

والمجلات الدورية، ويحرص على اقتناء الأزهر ومنبر الإسلام والمنهل والفيصل والدارة وعالم الفكر، وكانت مجلة " فصول

" تأتيه بصورةٍ منتظمة عبر بريد القرية بعد أن اشترك فيها .

تأثر كثيراً بطه حسين، وكان كتاب " الأيام " من بواكير الكتب التي قرأها، فوقع في أسر أسلوبه، وتأثر بحلاوة موسيقاه، وتمثل

كلَّ مشاهده، وسوف يكون لهذا الكاتب وذلك الكتاب أثرهما البالغ في توجيهه نحو دراسة اللغة العربية وتخصصه في الأدب

والنقد، كما سوف يكون لهما أثَرٌ بارزٌ أيضاً في أسلوبه كاتباً ومنهجه ناقداً؛ إلى جانب من قرأ لهم وتتلمذ عليهم في المرحلتين

الثانوية والجامعية.

كان الأول على دفعته في الكلية طوال السنوات الأربع، فعين معيداً بها، وترقى حتى صار أستاذاً فيها، وتولَّى عمادتها، ولم

تشغله المناصب عن عطائه الأكاديمي ولا عن إبداعه الشعري، ولم يتوقف ـ مثل كثيرين جداً من أساتذة الجامعة ـ عند أبحاث

الترقية، وهي في جملتها تتناول موضوعاتٍ جزئية لا تهم غير المتخصصين، ودعك الآن ممن لم يكتبوا بعد رسالة الدكتوراه

حرفاً، فالكلام فيهم يطول، والحديث عنهم ذو شجون.

قدَّم الدكتور عبد الباسط عطايا للمكتبة العربية ما يقرب من عشرين كتاباً، وديوانين من الشعر. وتتوزع كتبه على الدراسات

الأدبية الأكاديمية والمباحث الدينية والقرآنية، يأتي في مقدمتها: بلاغة الإيقاع قي القصيدة العربية، والرَّمَلِيات في الشعر

العربي، والشعر الجاهلي إرهاصاتٌ ورؤى، ومعالم العروبة في شعر المتنبي، وأنابيش في النقد، والرؤى النقدية عند نزار

قباني تنظيراً وتطبيقاً، والبلاغة والأسلوبية انعتاقٌ واعتلاق.

ولست هنا لعرض منهجه في النقد، ولا لشرح طريقته في النظم، ولا لنقد أسلوبه في الكتابة ؛ وغايتي من هذه الأسطر

المتواضعة أن أشير إليه، وأدل عليه، ويكفيني الآن أن أختتم مقالي هذا بكلماتٍ له مضيئات، تكشف عن عمق أصالته واعتزازه

بعروبته :
" لا أدري لماذا يصرُّ البعضُ على ربط عجلة الحياةِ لدينا بمؤخرة عجلة الحياة الأوربية ؟ ولماذا يطلب مني أن أعطس إذا

عطس الأوربي وأن أسعل إذا سعل الأوربي ؟ .... إن متابعة المدارس النقدية والأدبية الغربية وفرضها فرضاً على النص

العربيِّ أمرٌ يجافي حقائق الأشياء .. والذين يحاولون قَسْرَ الأدب العربي والشعر العربي ولَيَّ أعناقه تبعاً لمذاهب وأعراف

الغرب، يقترفون ذنباً عظيماً في حق اللغة العربية وآدابِها " !