فَضْفَضَةٌ أَدَبيَّةٌ بقيةُ آداب الجدل !

شعر وشعراء
طبوغرافي

د. شعبان عبد الجيد مدرس الأدب والنقد،

بكلية التربية جامعة مدينة السادات

حين عرضتُ في المقال السابق طرفاً من الآداب التي بيَّنها الإمامُ الجويني في كتابه القيم : ( الكافية في الجدل ) ، كنت أقصد إلى أن ألفت أنظار القراء إلى ما ينبغي أن نتحلى به من الصفات ونحن نتناقش ، وما نلتزم به من الأصول ونحن نتجادل ؛ وعزَّ عليَّ كثيراً أننا ـ حتى في أحاديثنا العادية ـ غالباً ما نتشاجر ولا نتحاور ، ويسعى كل واحدٍ إلى أن يغلِّبَ رأيَه ويفرضَ قناعاته ، وكثيراً ما يفعل ذلك بالصوت الزاعق لا بالمنطق الهادئ ؛ وبالضجيج الأجوف لا بالرأي السديد .


وأنا هنا ، وفي نقاط سريعةٍ ومكثفة تقتضيها مساحة الكلام ، أعرض لبقية هذه الآداب التي أراها لازمةً وضروريةً لكل من يريد أن يعالجَ مع غيره فكرةً ، أو يعرضَ لغيره رأياً ، أو يستمعَ من غيره إلى جواب :
•إياكَ والكلامَ في مجالس الخوف والهيبة ؛ فإنك عند ذلك في حراسة الرُّوح على شُغْلٍ من حراسة المذهب ونصرة الدين .


•تجنب المجالس التي لا تسوِّي بين الخصوم في الإقبال والاستماع وإنزال كلٍّ منزلتَه ورتبتَه ؛ فإن الكلامَ بين يدَيْ مثلِها سخفٌ ودناءة .


•توقَّ مجالسَ الذين يقصدون بما يسمعون التلهِّيَ لا تمييزَ الحق عن الباطل ؛ فأولئك ممن لا يَحْسُنُ بأهل العلم مجالستُهم .


•لا تحقِّرْ خَصْمَك الذي تناظره ، ولا تفاتح في الكلام إلا من هو أهلٌ للمناظرة .


•حافظْ على قدرك وقدر خَصمِك ، وميِّزْ بين النظير والمسترشد والأستاذ ؛ لتناظرَ كلاًّ على حقه وتحفظَ كلاًّ على رتبته .


•كن مستبشراً لتبعُدَ أنت وخَصمُك عن الغضب والضجر .


•لا تناظر المتعنت ومن لا يقصدُ مرضاةَ الله في تعرُّف الحق والحقيقة ، وإذا فتحته وتبينت منه التعنت ، فالإمساكُ عن المواصلةِ أوْلَى .
•عامل المسترشد الذي يبغي الحقَّ معاملةً تقوم على التلطُّف والتساهل .


•إذا كان الخَصم من العلماءِ فلا تُطَوِّل العبارة واقصد نُكْتة الحُكْم .


•أعطِ خَصمك الفرصةَ حتى يوردَ جميع ما يريده .

 

•اصبر على خَصمَك حتى النهاية ، وأقبل عليه بكل وجهك ولا تُعرِضْ عنه أبداً .


•لا تكلم الأستاذَ إلا على ضربين : الاسترشادِ ، مع غاية الاحترام والتواضعِ وخفض الصوت وقطع اللجاج عند ظهور الرشد ، ولاطِفْه بكل ما تملك ، ولا تناظره مناظرة الأكْفاء والأندادْ .


•إياك أن تتعلَّق عند الاستدلال إلا بأقوى ما في المسألة ، ولا يغرنَّك ضعفُ السائل ؛ فربما يكون في الحاضرين من يضيق عليك الدنيا بقوته في العلم .


• لا تسامح الخَصمَ إلا في موضعٍ تعلمُ يقيناً أن المسامحة فيه لا تضرُّك .


• راعِ كلامَ الخَصم وتفهَّمْ معانيَه على غاية الحد والاستقصاء .


• لا تُلْزِمْ خَصمَك ما لا تتحققه لازماً ؛ لأنه إذا سقطَ سقطتَ ، فتضعف نصرتُك للحق .


• لا تؤاخذِ الخَصم بما تعلم أنه لا يقصده من أنواع الزلل .


• لا تُجبْ عما لم تُسألْ عنه ، ولا توردْ في كل موضعٍ من الكلام إلا قدْرَ ما يحتاج إليه .


•أحسَنُ شيءٍ في الجدل هو المحافظة من كل واحدٍ من المتجادلين على أدب الجدل ؛ فإن الأدبَ في كل شيءٍ حِلْيَتُه .


أما بعد ، فهذا مُجْمَلُ ما فصَّله الإمامُ الجُوَينيُّ في كتابه ، عرضتُه موجزاً ومختصراً ، وأتمنى على القارئ الكريم أن يراجعه في مصدره ويتابعه عند صاحبه ؛ وأنا على ثقةٍ بأنه سوف يجد هناك من المتعة ما يرضيه ، ومن الفائدة ما يغنيه ، ومن العلم ما يشبعه ويرويه ويكفيه !