الله هو المأوى.. العدد 48

علمتني الحياة
طبوغرافي

علمتنى الحياة أن الله هو السكن، وهو الأمن، وهو المأوى، إليه أعود وإليه ألجأ، فيذهب همي ويفرج كربي ويمنحني الرضا والأمن والسعادة.
كل الوجوه تفنى ويبقى وجه ربك، وكل من تصحب زائل، والله لا يزول سبحانه إنه نعم المولى ونعم النصير.


قال ابن القيم رحمه الله (كما في مدارج السالكين) : ((في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته، وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار إليه، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدا((.
وقال أيضًا: ((وأيُّ حياةٍ أطيبُ من حياة مَن اجتمعت همومُه كلها، وصارت همًّا واحداً في مرضاة الله تعالى، ولم يتشعَّب قلبه، بل أقبلَ على الله، واجتمَعت إرادتُه وأفكاره على الله، تعالى، فصار ذكرُه لمحبوبه الأعلى وحبُّه والشوق إلى لقائه، والأنس بقربه هو المستوليَ عليه، وعليه تدور همومُه وإرادته وقصودُه بكل خطوات قلبه، فإن سكت سكتَ لله، وإن نطقَ نطقَ بالله، وإن سمِع فبِه يسمَع، وإن أبصر فبه يُبصِر، وبه يبطِش، وبه يمشي، وبه يتحرَّك، وبه يسكن، وبه يحيى، وبه يموت، وبه يُبعث)).
الله لا يردك إذا جئته تائبًا نادمًا، فلا يزال الله – عز وجلَّ - يدعو مَن عَصَوْه إلى بابه، ويُجْرِمون، فلا يَحرِمهم خيرَه وإحسانَه، فإن تابوا إليْه فهو حبيبُهم؛ لأنَّه يُحبُّ التَّوَّابين ويحبُّ المتطهرين، وإن لم يتوبوا فهو طبيبُهم، يبتليهم بالمصائب؛ ليطهِّرهم من المعايب.
قال ابن عبَّاس: ((ولا يقنطنَّ عبدٌ من رحمة الله، وإن عظُمتْ ذنوبُه وكثُرت؛ فإنَّ باب التَّوبة والرَّحْمة واسع)).
اجعل الله حبيبك، فالله هو أولى منك بالحب، فمن أحب خالقه اجتهد في طاعته وعبادته والتقرب إليه، دون كلل أو ملل، وقد يتعب البدن، ولكن لا يفتر القلب.
قال فرقد السبخي: ((قرأت في بعض الكتب: من أحب الله لم يكن عنده شيء آثر من هواه، ومن أحب الدنيا لم يكن عنده شيء آثر من هوى نفسه، فالمحب لله تعالى أمير مؤمر على الأمراء، زمرته أول الزمر يوم القيامة، ومجلسه أقرب المجالس فيما هنالك، والمحبة منتهى القربة والاجتهاد، ولن يسأم المحبون من طول اجتهادهم لله تعالى، يحبونه ويحبون ذكره ويحببونه إلى خلقه، يمشون بين عباده بالنصائح، ويخافون عليهم من أعمالهم يوم القيامة يوم تبدو الفضائح، أولئك أولياء الله وأحباؤه وأهل صفوته، أولئك الذين لا راحة لهم دون لقائه)).
وقال الإمام الغزالي: ((اعلم أن أسعد الناس، وأحسنهم حالاً في الآخرة أقواهم حبًّا لله تعالى، فإن الآخرة معناها القدوم على الله تعالى ودرك سعادة لقائه، وما أعظم نعيم المحب إذا قدم على محبوبه بعد طول شوقه، وتمكن من مشاهدته من غير منغص ولا مكدر، إلا أن هذا النعيم على قدر المحبة، فكلما ازداد الحب ازدادت اللذة)).
يا من رحمتك وسعت كل شيء، ويا من أرحم بنا من أمهاتنا اللاتي ولدننا، يا من إذا بارت بنا الحيل، وضاقت علينا السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت بنا الحبال، وضاقت صدورنا، واستعسرت أمورنا، وأوصدت الأبواب أمامنا، نادينا: يا الله! فإذا اللطف والعناية، والغوث والمدد، والود والإحسان، إليه تمد الأكف في الأسحار، والأيادي في الحاجات، والأعين في الملمات، والأسئلة في الحوادث، باسمه تشدو الألسن، وتستغيث وتلهج وتنادي، وبذكره تطمئن القلوب، وتسكن الأرواح، ارزقنا السكن إليك والقرب منك وحبك ورضاك وغفرانك ورحمتك.