علمتني الحياة : أن أرضى عن الله فى السراء والضراء

علمتني الحياة
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

علمتني الحياة أن أرضى بما قضاه الله، وأن أحب ما أراده ليقيني أن ما كتب الله من شيء إلا لحكمة، وما ابتلى الله عبدًا إلا

لمحبة، فكل ما قدر الحبيب إلى قلبي حبيب.

إن للرضا سرور في القلب، وسعادة في النفس، وإحساس بالقرب. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ((إِنَّ اللَّهَ بِقِسْطِهِ وَعَدْلِهِ

جَعَلَ الرَّوْحَ وَالْفَرَحَ فِي الْيَقِينِ وَالرِّضا، وَجَعَلَ الْهَمَّ وَالْحَزَنَ فِي الشَّكِّ وَالسُّخْطِ)).

وقال عبد الواحد بن زيد: الرِّضا باب الله الأعظم وجنة الدُّنيا ومستراح العابدين.

وسأل رجل الفضيل بن عياض فقال: يا أبا علي، متى يبلغ الرجل غايته من حبِّ الله تعالى؟ فقال له الفضيل: ((إذا كان عطاؤه

ومنعه إياك عندك سواء، فقد بلغت الغاية من حُبِّه)).

وقيل ليحيى في مرضه الذي مات فيه: يُعَافِيكَ اللهُ إِنْ شَاءَ اللهُ، قَالَ: أَحَبُّهُ إِلَيَّ: أَحَبُّهُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ .

وقال أحمد بن أبي الحوَارِيّ: قَالَ لِي أَبُو سُلَيْمَانَ: يَا أَحْمَدُ، أَيَكُونُ شَيءٌ أَعْظَمَ ثَوَابًا مِنَ الصَّبْرِ؟.قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. الرِّضا عَنِ الله.

قَالَ: وَيْحَكَ.

قُلْتُ: إِذَا كَانَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُوفِي الصَّابِرِينَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَانْظُرْ مَا يَفْعَلُ بِالرَّاضِي عَنْهِ.

ولما وعد الله المؤمنين جنات عدن، تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها لا يزول عنهم نعيمها ولا ينفد، قال تعالى: {وَرضْوَانٌ

مِنَ اللّهِ أَكْبَرُ}، فرضوان الله ورضاه عن العبد أكبر من ذلك كلِّه، كما قال صلى الله عليه وسلم: إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل

الجنة، فيقولون: لبّيك ربَّنَا وسعْدَيك، فيقول: هل رضيتم؟.

فيقولون: ما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تُعْطِ أحدًا من خلقك؟. فيقول: أنا أعطيكم أفضلَ من ذلك، قالوا: يا ربّ، وأيُّ شيء

أفضل من ذلك. قال: أُحِلُّ عليكم رضوَاني، فلا أسخطُ عليكم بعده أبدًا.

قال يحيى بن معاذ: الصبر الجميل أن يتلقى البلاء بقلب رحيب، ووجه مستبشر.

وقال ذو النون المصري: الصبر التباعد من المخالفات، والسكون عند تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى مع حلول الفقر

بساحات المعيشة.

وقال أبو علي الدقاق: فاز الصابرون بعزِّ الدارين؛ لأنَّهم نالوا مِنَ الله معيَّته فإنَّ الله مع الصابرين.

ونظر علي بن أبي طالب إلى عدي بن حاتم كئيبًا حزينًا؛ فقال له: ما لي أراك كئيبًا حزينًا؟.

فقال: وما يمنعني يا أمير المؤمنين، وقد قتل أبي، وفقئت عيني؟ فقال: ((يا عدي بن حاتم، إنه من رضي بقضاء الله جرى عليه،

وكان له أجرًا، ومن لم يرض بقضاء الله جرى عليه، وحبط عمله)).

وعن عبد الله بن مسعود قال: ((لأن يعض أحدكم على جمرة حتى تطفأ خير من أن يقول لأمر قضاه الله ليت هذا لم يكن)) وشكا

رجل إلى الحسن سوء الحال، وجعل يبكي، فقال الحسن: يا هذا كل هذا اهتمامًا بأمر الدُّنيا، والله لو كانت الدُّنيا كلها لعبد، فسلبها

ما رأيتها أهلًا لأن يُبْكَى عليها.