علمتنى الحياة : أن الغِنَى ليس بالمال فقط

علمتني الحياة
طبوغرافي

الإستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

الغني حقًّا هو من علم أن له ربًّا، وأنعم الله عليه بصحة تعينه على طاعة الله، وأمن يعبد الله فيه، ولو كان ماله كفافًا.
كثير من الناس يظن أن الغنى ليس إلا كثرة المال من نقود، وعندهم أن من ليس كذلك فليس من أهل الغنى، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يلفت الأنظار إلى المعنى الحقيقي للغنى حين يقول: "ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس".


أحد الصحابة وهو خبيب بن عدي رضي الله عنه يقول: كنا في مجلس، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسه أثر ماء، فقال له بعضنا: نراك اليوم طيب النفس فقال: "أجل والحمد لله" ثم أفاض القوم في ذكر الغنى؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغنى، وطيب النفس من النعيم" (صحيح سنن ابن ماجة).


وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس" معناه: اقنع بما أعطاك الله، وجعله حظك من الرزق، تكن أغنى الناس، فإن من قنع استغنى.


ولنتذكر هنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها".


وإذا رأيت من هو أكثر منك مالًا وولدًا، فاعلم أن هناك من أنت أكثر منه مالًا وولدًا، فانظر إلى من أنت فوقه، ولا تنظر إلى من هو فوقك، وإلى هذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم".


ولقد سئل أبو حازم – رحمه الله فقيل له: "ما مالك؟" قال: "لي مالان لا أخشى معهما الفقر: الثقة باللّه، واليأس مما في أيدي الناس".


وقيل لبعض الحكماء: "ما الغنى؟" قال: "قلة تمنيك، ورضاك بما يكفيك".
وكان محمد بن واسع - رحمه اللّه تعالى- يبل الخبز اليابس بالماء ويأكله، ويقول: "من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد".


وكتب بعض بني أمية إلى أبي حازم - رحمه اللّه تعالى- يعزم عليه إلا رفع إليه حوائجه فكتب إليه: "قد رفعت حوائجي إلى مولاي، فما أعطاني منها قبلت، وما أمسك منها عني قنعت".


ويقول عامر بن عبد قيس: أربع آيات من كتاب الله إذا قرأتهن مساء لم أبال على ما أمسي، وإذا تلوتهن صباحًا لم أبال على ما أصبح:


{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (فاطر:2).
{وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (يونس: من الآية107)


{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (هود:6).
{سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} (الطلاق: من الآية7).


وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: "والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم؛ كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم".


ولذلك كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن دعاء لا يسمع، ومن نفس لا تشبع، ومن علم لا ينفع، أعوذ بك من هؤلاء الأربع".