قوم موتى تحيا القلوب بذكرهم، وقوم أحياء تقسو القلوب برؤيتهم

الحكم الربانية
طبوغرافي

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، لك الحمد أولًا، ولك الحمد آخرًا، ولك الحمد على العطايا، ولك الحمد على رزق البرايا، ولك الحمد على كشف البلايا، والصلاة والسلام على خير من فرج الله به على العباد، وخير من آتاه الله تعالى الحكمة وفصل الخطاب، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحكمة الخامسة والثلاثون، وهى من حكم الإمام  بشر بن الحارث رحمه الله تعالى، وعنوانها:

"قوم موتى تحيى القلوب بذكرهم، وقوم أحياء تقسو القلوب برؤيتهم"

إنها حكمة مهمة في فهم نفسيات البشر، وفهم التأثير البشري على حياة الناس من هؤلاء الذين تركوا بصمات جميلة في الحياة.

إذا ذكّرنا الناس وقلنا مثلا: الفاروق عمر، أبو بكر الصديق، الإمام علي، بن القيم، بن تيمية، الإمام الغزالي... مجرد ذكرهم ومطالعة بعض من سيرتهم، يؤدي ذلك إلى رقة القلب، لأن الإنسان يتذكر أحوالهم الإيمانية العالية التي كانوا عليها، والطاعات التي ألزمهم الله تعالى بها، فأقاموا أنفسهم عليها، فكل واحد منهم اشتهر بخاصية معينة، هؤلاء الموتى الذين لا يعيشون بيننا، وماتوا من مئات السنين، عندما نتذكرهم نحيا بذكرهم، من منكم يعرف فضل سيدنا يوسف عليه السلام عليه؟

تعلمنا من سيدنا يوسف الثبات عند الشدائد، والخروج منها بانتصار الإيمان بحكمة قوية، { إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}

من منا تعلم من سيدنا يوسف، وهو ليس بيننا؟ عندما دخل السجن أدى الدعوة الصادقة إلى الله عزّ وجلّ. الله أكبر، من منا ينسى هذا؟ { أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}

أي هؤلاء الذين أكرمهم الله، ونصرهم الله، ونصر بهم، هؤلاء أهل الهداية، أنت يا محمد، وأمتك تسيرون على نهج هؤلاء، { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}  نقول مثلًا: قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه، كلامه بالنسبة لنا يبعث فينا الإيمان والقوة واليقين، أو مثلًا: قال سعيد بن جبير رحمه الله، كلامهم يبعث اليقين عندنا، أي: القلوب تحيا بذكرهم، لماذا؟

قال الله تعالى في حقهم: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ} لماذا؟ لأنهم: { إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } [الذاريات] الله أكبر هذا الصنف هو الذي نبحث عنه وننشد أن نكون منهم، وهو الصنف الذى تحيا القلوب بذكر أصحابه.

 أما الشق الثانى من موضوع اليوم، وهم القوم الذين بمجرد ذكرهم أو رؤية وجوههم وسماع كلامهم فإن القلوب تقسو وتموت، لأنه على العكس تمامًا من الصنف الأول، وقد قال الله تعالى في حق أمثالهم: { إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} هؤلاء كانوا إذا ذُكر لهم "لا إله إلا الله" كانوا يستكبرون، لا يحبون "لا إله إلا الله" {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُنَ} هذا هو النوع الثانى، النوع السلبى، النوع الذى لا يزداد الناس بهم إلا بعدًا عن الله تعالى، وتقسو قلوب الناس إذا رأوهم، أو استمعوا لكلامهم.

أيها الأحباب، لا حظوا الاختلاف بين الفريقين، هناك أموات إذا ذكرناهم تحيا قلوبنا بهم، وهناك أحياء إذا رأيناهم تقسو بهم قلوبنا، لماذا؟ لأنهم منغمسون في الدنيا، الذي يعيش مع الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والفنانين والفنانات، لا بد وأن يقسو قلبه، أما الذي يعيش مع الصحابة والتابعين والسلف الصالح، لابد وأن ترتقي همته، أولئك الذين هدى الله، كما قلت لك صحبة الأخيار تقربك من الله، وصحبة الأشرار تجعلك تسيء الظن بالأخيار، ولذا قلنا في إحدى الحكم: لا تصحب إلا من ينهض بك حاله، ويدلك على الله مقاله، وقال النبى صلى الله عليه وسلم: " أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ جُلَسَائِكُمْ؟, مَنْ ذَكَّرَكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ، وَزَادَكُمْ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ، وَذَكَّرَكُمْ بِالآخِرَةِ عَمَلُهُ " الله أكبر، أي عندما تراه تكون فى حالة خوف من الله عز وجل، ورهبة من الله سبحانه وتعالى، وزاد في علمكم منطقه، أى تزدادون علما بكلامه، وقرب إليكم في الآخرة عمله، أي كلامه جميل، وتأثيره جميل، وإذا رأيته حسبت أن القيامة ستقوم الآن.

 وهناك من إذا رأيته يصلي، تقول ليته لم يصل، لأن صلاته لا تساوي شيئًا لأنه لا يدرك منها ما يستطيع أن يعقلها لبه من شدة تسرعه وتعجله في أداءها.

صحبة الأخيار وثمارها الطيبة:

التشبه بأهل الخير والتقوى والإيمان والطاعة فهذا حسن مندوب إليه، ولهذا يشرع الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته وآدابه وأخلاقه، وذلك مقتضى المحبة الصحيحة، فإن المرء مع من أحب، ولا بد من مشاركته في أصل عمله وان قصر المحب عن درجته .

ولما سأل ربيعة الأسلمي النبي صلى الله عليه وسلم مرافقته في الجنة، قال: " فأعني على نفسك بكثرة السجود". مسلم

فإنما يراد من صحبة الأخيار إصلاح الأعمال والأحوال والاقتداء بهم في ذلك، والانتقال من الغفلة إلى اليقظة، ومن البطالة إلى العمل، ومن التخليط إلى التكسب والقول والفعل إلى الورع، ومعرفة النفس وآفاتها واحتقارها، فأما من صحبهم وافتخر بصحبتهم وادعى بذلك الدعاوى العريضة وهو مصر على غفلته وكسله وبطالته فهو منقطع عن الله من حيث ظن الوصول إليه، كذلك المبالغة في تعظيم الشيوخ وتنـزيلهم منـزلة الأنبياء هو المنهي عنه .

وقد كان عمر وغيره من الصحابة والتابعين يكرهون أن يطلب الدعاء منهم ويقولون " أأنبياء نحن؟"

فدل على أن هذه المنـزلة لا تنبغي إلا للأنبياء عليهم السلام، وكذلك التبرك بالآثار فإنما كان يفعله الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا يفعلونه مع بعضهم ببعض ولا يفعله التابعون مع الصحابة، مع علو قدرهم .

فدل على أن هذا لا يفعل إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم مثل التبرك بوضوئه وفضلاته وشعره وشرب فضل شرابه وطعامه.

قال الحسن : لا تغتر بقولك المرء مع من أحب، أن من أحب قوما اتبع آثارهم، ولن تلحق الأبرار حتى تتبع آثارهم، وتأخذ بهديهم، وتقتدي بسنتهم، وتمسي وتصبح وأنت على مناهجهم، حريصاً أن تكون منهم، وتسلك سبيلهم، وتأخذ طريقتهم، وإن كنت مقصراً في العمل . فإن ملاك الأمر أم تكون على استقامة . أما رأيت اليهود والنصارى وأهل الأهواء الردية يحبون أنبياءهم وليسوا معهم لأنهم خالفوهم في القول والعمل وسلكوا غير طريقهم فصار موردهم النار ؟ نعوذ بالله من النار . 

فمن أحب أهل الخير وتشبه بهم جهده فإنه يلحق بهم كما في الحديث المشهور : "من حفظ أربعين حديثا حشر يوم القيامة في زمرة العلماء " .

ومن أحب أهل الطاعة والذكر - على وجه السنة - وجالسهم يغفر له معهم وإن لم يكن منهم "فإنهم القوم لا يشقى جليسهم " .

فأما التشبه بأهل الخير في الظاهر، والباطن لا يشبههم فهو بعيد منهم، وإنما القصد بالتشبيه أن يقال عن المتشبه بهم انه منهم وليس منهم من خصال النفاق كما قال بعض السلف: "استعيذوا بالله من خشوع النفاق أن يرى الجسد خاشعاً، والقلب ليس بخاشع"

وكان السلف يجتهدون في أعمال الخير ويعدون أنفسهم من المقصرين المذنبين، ونحن مع إساءتنا نعد أنفسنا من المحسنين .

كان مالك بن دينار يقول : إذا ذكر الصالحون " أف، أف لي، وتوقف " .

وقال أيوب : " إذا ذكر الصالحون كنت عنهم بمعزل " . وقال يونس بن عبيد : " أعد مائة خصلة من خصال الخير ليس منها فيَّ واحدة " . وقال محمد بن واسع : " لو أن للذنوب رائحة لم يستطع أحد أن يجلس معي " .

يا من إذا تشبه بالصالحين فهو عنهم متباعد، وإذا تشبه بالمذنبين فحاله وحالهم واحد، يا من يسمع ما يلين الجوامد وطرفه جامد، وقلبه أقسى من الجلامد، يا من يرد قلبه عن التقوى، كيف ينفع الضرب البارد على حديد بارد؟

يا نفس أنـى تؤفكينَا ؟ * حتى متى لا ترعوينَ ؟

حتى متى، لا تعقلينـا * وتسمعين وتبصريـنا ؟

يا نفس إن لم تصلحـي * فتشبهي بالصالحينـا

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لولا ثلاث لما أحببت البقاء، لولا أن أحمل على جياد الخيل في سبيل الله، ومكابدة الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقي أطايب التمر، يريد رضي الله عنه الجهاد والصلاة والعلم النافع، وهذه درجات الفضائل وأهلها هم أهل الزلفى والدرجات العليا.

وقال معاذ رضي الله عنه عند موته: اللهمّ إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولا لنكح الأزواج، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر .

وقوله ولا يشهد من نفسه إلا أثر النقصان يعني لا يرى نفسه إلا مقصرا والموجب له لهذه الرؤية استعظام مطلوبه واستصغار نفسه ومعرفته بعيوبها وقلة زاده في عينه.

عندما أحدثك عن قوم ثمود وعن هلاكهم، فإنك تنفر منهم، ولكن لا يقسو قلبك، بل إن الإنسان يتعظ بمثل هذه القصص، ويعتبر بما كان عليه هؤلاء القوم، ويعرف ما عاشوا عليه، وما ماتوا عليه.

أخى الحبيب لا تعمل في مكان يؤدي بك إلى قسوة قلبك، ابحث عن عمل في مكان يقربك إلى الله عزّ وجل، يكرّه لك الحرام، ويحبب إليك الحلال، لأن من يعملون في هذا المكان يحبونك، ويطيعون الله عز وجل، فلا يحبون لك إلا الخير، لأنهم قدموا الله تعالى على كل شىء.

 الصالحون إذا ذكرناهم، وذكرنا أفعالهم اشتقنا إلى الآخرة.

إذًا قوم موتى تحيا القلوب بذكرهم، الله عز وجل يحي القلوب بهم، وقوم أحياء إذا ذكرناهم، أو إذا رأيناهم فإن القلوب تموت. لماذا تموت؟ لأن الماء الذى تحيا به القلوب وتعيش عليه هو ذكر الله عز وجل، فالقلوب دائمًا في حاجة إلى من يذكرها بالله عز وجل، وإلى من يحي فيها الآمال بحب الله، والإقبال على الله سبحانه وتعالى.

النبي العظيم صلوات ربي وسلامه عليه بعث الأمة من جهلها، وأقام شريعة الله في أرض مظلمة، وفي أرض قاسية، لكنه جعل من القلوب القاسية ومن القلوب الميتة قلوبًا يقظة ومتصلة بالله رب العالمين، وعلى هذا فلابد وأن تتخذ لك قدوة في حياتك، وأن يكون لك معلم في حياتك.

عليك أخى الحبيب أن تصحب من يذكرك بالله عزّ وجلّ، { وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } [الكهف: 28] هذا لا ينبغي لك أن تستمع إليه، ولا ينبغي أن تستجيب له.

{ إنما أنت مذكر... } [ ] أي وظيفتك أن تبقى مذكرا، مذكرا لمن ؟

الصحبة السيئة وآثارها المدمرة على الإنسان:

مما لا شك فيه أن للصحبة آثارها على الواحد منا، وقد قيل: الطبع يسرق من الطبع، وقالوا: إن الطبع يعدي؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".

إذا كان الأمر كذلك فحري بنا أن نحذر صحبة الفاسدين والفاسقين لأن الصاحب ساحب وقد يجر صاحبه إلى طريق الشر والفساد حتى إنك لترى الرجل يمضي بالفطرة على طريق الخير ويبدأ في طريق التعبد، فإذا بقطاع الطرق - من أهل الشر - يمنعونه من مواصلة السير، ويصدونه عن سواء السبيل، إنهم جلساء  السوء الذين يحملون لواء المعصية، ويدعون لطريق الضلال صباح مساء، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : " مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة".

وقد أمر الله تعالى أن يلزم العبد الصحبة الصالحة وأن يتجنب صحبة السوء فقال: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (الكهف:28).

إن صحبة هؤلاء البطالين تجلب على صاحبها العار والسمعة السيئة في الدنيا ؛ فقد قيل : قل لي من تصاحب أقل لك من أنت، وقال الشاعر:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه             فكل قرين بالمقارن يقتدي

وهي أيضا تؤدي به إلى سلوك مسالك الرذيلة والمعصية حيث تنتهي الصحبة السيئة غالبا إلى المخدرات أو الوقوع في الفواحش والمنكرات من شرب للخمر أو ارتكاب فاحشة الزنا أو غير ذلك مما لا يحبه الله تعالى ولا يرضاه، وصدق من قال:

فلا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه             فكم من جاهل أردى حكيما حين آخاه

يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاه        وللشيء على الشيء مقاييس وأشباه

بل قد تصل بالعبد إلى الكفر والعياذ بالله ، وإن شئت دللا على هذا فانظر إلى قصة أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يعتقد بصدق نبوة ابن أخيه حتى قال:

ولقد علمت بأن دين محمد                      من خير أديان البرية دينا

لولا الملامة أو حذار مسبة                     لوجدتني سمحا بذاك مبينا

من هم قرناء السوء؟ وما هي صفاتهم؟

لعل من أهم صفات قرناء السوء والتي نذكرها على وجه الإيجاز:

1- النفاق: وقد قال صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافق خالصا ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر غير أن في حديث سفيان وإن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق».

2- الصد عن ذكر الله قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: 36-37].

3- الانغماس في الشهوات واللذات فهو يحب الشهوات والمحرمات قال تعالى: ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ﴾ [فصلت: 25].

4- تجده في الرخاء وتفقده في الشدة: ففي الرخاء تجده تجاهك يجالسك ويحادثك، وفي الشدة تجده يفر منك وكأنه لا يعرفك.

 وقد قال أحد الأدباء: لا تصحب من الناس إلا من يكتم سرك ويستر عيبك فيكون معك في النوائب ويؤثرك بالرغائب وينشر حسنتك ويطوي سيئتك فإن لم تجده فلا تصحب إلا نفسك.

هؤلاء القرناء لهم تأثير على الإنسان، وسنذكر في هذا البحث إن شاء الله -عز وجل- تأثير الرفقة السيئة، وكذلك تأثير البيئة التي يعيشها عليه سواء بالخير أو الشر.

الله عزّ وجلّ يقول في شأن الصنف الذى تقسو قلوب الناس بذكرهم وبكلامهم: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} ، أي يعيشون بأجسادهم، لكن قلوبهم ميتة، أرواحهم الإيمانية لا تنبض بالحياة.

وقال الله تعالى: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} أي من كان له قلب ينبض بالإيمان، وبالتالي هنا مسألة مهمة جدا، وهي حياة الأرواح قبل حياة الأبدان، حياة القلوب قبل حياة الأجساد.

"قوم موتى تحيى القلوب بذكرهم، وقوم أحياء تقسو القلوب برؤيتهم" كان هذا هو عنوان درس اليوم بفضل الله تعالى.

                             {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ}