إن لله عبادًا يُميتون الباطل بهجره ويُحيُون الحقّ بذكره

الحكم الربانية
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض 

الداعية والمفكر الإسلامى

عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «إِنَّ لِله عِبَادًا يُمِيتُونَ الْبَاطِلَ بِهَجْرِهِ، وَيُحْيُونَ الحقّ بِذِكْرِهِ، رَغِبُوا فَرَعِبُوا، وَرَهِبُوا فَرَهِبُوا، خَافُوا فَلَا يَأْمَنُونَ، أَبْصَرُوا مِنَ الْيَقِينِ مَا لَمْ يَعَاينُوا فَخَلَطُوهُ بِمَا لَمْ يُزَايِلُوهُ، أَخْلَصَهُمُ الْخَوْفُ فَكَانُوا يَهْجُرُونَ مَا يَنْقَطِعُ عَنْهُمْ لِمَا يَبْقَى لَهُمُ، الْحَيَاةُ عَلَيْهِمْ نِعْمَةٌ وَالْمَوْتُ لَهُمْ كَرَامَةٌ، فَزُوِّجُوا الْحُورَ الْعَيْنَ، وَأُخْدِمُوا الْوِلْدَانَ الْمُخَلَّدِينَ»


والشاهد من هذا الأثر الكريم: "إِنَّ لِله عِبَادًا يُمِيتُونَ الْبَاطِلَ بِهَجْرِهِ، وَيُحْيُونَ الحقّ بِذِكْرِهِ"
اقتضت سنّة الله الكونية أن يتصارع أهل الحقّ وأهل الباطل في هذه الحياة منذ وُجد أبو البشرية آدم عليه السلام، وعدوُّه إبليس لعنه الله، وأن يمتد هذا الصراع في الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ابتلاء منه تعالى لأهل الحقّ بأهل الباطل، ولأهل الباطل بأهل الحقّ، ليزداد الأولون إيمانًا بحقهم ويحملوه عملًا وسلوكًا ودعوة وجهادًا، فينالوا نصر الله وتمكينه لهم في الدنيا، ورضاه ودار كرامته في الآخرة، وليزداد الآخَرون الذين تكبروا على أمر الله ودعوة أنبيائه تمردًا وعتوًّا، فينالوا الضنك و الشقاء في الدنيا- وإن تمتعوا بنعم الله فيها كالحيوانات السائمة- والعذاب الأليم السرمدي وسخط الله في الآخرة.


عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه يعلمنا اليوم حكمة عظيمة من حكمه التى تُثرى الأذهان وتريح النفوس، فالباطل كما أخبر الفاروق رضى الله عنه وأرضاه كلّما هجره الناس وابتعدوا عنه وتركوه فإنه يتضائل حتى يموت تمامًا.
أمّا الحقّ فإنه يحيا ويكبُر ويتعاظم أمره كلّما ذكره الناس وطبّقه الناس على أنفسهم، فالحقّ أحقّ أن يُتبع، والباطل أحقّ أن يُجتنب.


صور لإحياء الحقّ بذكره:
ــ تذكير الناس بسنة النبى صلى الله عليه وسلم والحثّ عليها من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة الواردة عن النبى صلى الله عليه وسلم والآثار الواردة عن السلف الصالح.


ــ الحفاظ على الطاعات في أوقاتها المحددة التى حددها الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، والعمل بسنن النبى صلى الله عليه والحفاظ عليها لأنها تغيظ الشيطان وتقهره وكذلك الباطل.


ــ ذكر سيرة النبى صلى الله عليه وسلم وذكر مناقبه وفضائله.
ــ ذكر سير السلف الصالح وتعديد مناقبهم وحثّ الناس على الاقتداء بهديهم واتباع آثارهم، ففى ذلك النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة.


ــ توقير العلماء والشيوخ لما لهم من فضل على المسلمين، واحترام الكبار وتوقيرهم والعطف على الصغار والضعفاء ورحمتهم، والوقوف بجانب المساكين والأرامل والأيتام والمرضى.


ــ ذكر خطر صحبة السوء وضرورة الابتعاد عنهم وعدم مجالستهم واختيار الأصحاب الأخيار ومجالستهم.
ــ ترك أماكن المعصية وعدم العودة إليها ما دام أهلها على معصية بعد نصحهم وإقامة الحجة عليهم.
ــ إذا أمكن أن نحوّل أماكن المعصية إلى أماكن للطاعة فلنفعل فإن في ذلك أجر عظيم ومضاعف بإذن الله تعالى، وإن لم يمكن فمغادرتها في الحال.


ــ إنكار المنكر بكلّ الوسائل إن أمكن ذلك، وكلّ هذه الأمور وغيرها الكثير والكثير مما لا يخفى على عاقل مسلم تُميت الباطل وتجعل للحق عليه سلطانًا نصيرًا، وخلاصة القول أن كلّ طاعة يفعلها المسلم تعتبر إماتة للباطل وإحياء للحقّ، وكلّ معصية يقع فيها الإنسان مع علمه بها وإصراره عليه فإنها تجعل الباطل منتفخا منتفشًا وتضعف الحقّ في عيون الناس.


الحقّ فطري في الإنسان وفي جميع ما خلق الرحمن، ولذلك يصبح العلم بالحقّ أمرا فطريا لا تكلّف فيه ولا افتعال، فيبقى حب كلّ من الحقّ والخير والجمال من الأمور الفطرية في الإنسان وتبقى التبصرة بها والهداية إليها ميسرة له في كلّ حال ما دام عرف ربه الحقّ ودان نفسه بدين الله الحقّ. ولكن إذا أخضع الإنسان فطرته السوية لوساوس الشيطان أخرجه عنها وأن معركة الشيطان مع الإنسان تتركز حول محاولته هذا اللعين إخراج أكبر عدد ممكن من بني الإنسان من دائرة الحقّ إلى دوائر الباطل.


أيها الأحباب.. اعلموا أنه ما من أحد يبحث عن الحقّ إلا ويهديه الله عزّ وجلّ، ما من أحد يبحث عن الباطل، إلا ويضله الله عزّ وجلّ.


وهكذا تجد أنَّ أهل الحقّ عندهم الخيريَّة المُطلَقة، وهم الجديرون أنْ يُتَّبَعوا، وأنْ يَهدوا الناس إلى سُبُل الخير والرَّشاد؛ كما قال تعالى: { قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الحقّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس: 35].
أمَّا المُكذِّبون للحقِّ، فتَجدهم في حَيرة وضلال وتَخبُّط، كما تَتجدَّد آراءهم وقوانينهم بين حين وآخر، فهم دائمًا في شطْبٍ وتعديل، وإضافات لا حصْرَ لها، وقد قال الله - سبحانه وتعالى -: { بَلْ كَذَّبُوا بِالحقّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ } [ق: 5].