اغتنم الوقت..

تنمية بشرية
طبوغرافي

بقلم صبرى موافى 

لم يندم أحد من الناس كمن ندم على فرصة كانت بين يديه فأضاعها، فتجد أحدهم يود لو أن يفقد شطرا من عمره فيعود به الزمن لإعادة ترتيب ما قد بعثره جاهلا، وإصلاح ما أفسده قاصدا أو غير متعمد، ووضعِ خطاه على الطريق التي لم يوفق في اختيارها، بعد أن سلك طريقا لم يتوقع في يوم من الأيام أنها ستنتهي به إلى مرحلة الندم على اجتيازها.

 بل يود آخر لو أن يفقد من ماله وثروته ما يقدمه ثمنا لتصحيح أوضاع حياته، غير مبالٍ كم سيدفع أو كم سيفقد.. لأنه أصبح الآن مقدّرا تمام التقدير لقيمة المال، فقد علم اليوم أخيرًا أن المال يصنع كل شيء لكن في إطار الملذات والشهوات التي قد تحقق مقدارا فانيا من السعادة، لكنه لا يستطيع أن يهبه سعادة القلب والعقل، لأنها لا تأتي إلا بالنجاح، والنجاح لا يُشترى إلا بالاجتهاد لا بالمال.

ومن أهم العناصر والمعطيات في حياة الإنسان الوقت، فهو إكسير الحياة، وهو العنصر الوحيد الذي به يحقق الإنسان كل ما يتمنى، إلا أنه غير قابل للاستعادة، فكل شيء يمكن للإنسان أن يعوض فواته، أما الوقت فلا يعوّض، وهذا خير مقارنة بين الوقت والمال، فتدبّر!! أيهما أفضل!!

والناس في اغتنام الأوقات أنواع؛ فمنهم من يطلب الفراغ من أجل استغلاله في النوم ليقابل الأحلام السعيدة، ومنهم من يطلبه لإضافة عنصر المال إليه فيحوله إلا بلية كبيرة، وفتنة خطيرة بطلب اللهو والتمتع بالشهوات، ومنهم من يطلبه ليستغله في إتيان ما حُرّم عليه فيعتدي على نفسه بتعديه لحدود الله، فيسرق، أو يظلم، أو يتعدى على الغير..، ومنهم من يطلبه لتحقيق كل ما أمكن له من فرص ينفع بها نفسه وأمّته وبلاده، وبهذا يصبح ذلك الأخير هو الفائز بالجائزة، فقد أصبح الوقت عنده نعمة.. لا فتنة ولا بلية ولا نقمة.

وهذا خير الكلام.. يُقسم منزله بالعصر وهو الوقت.. ليدللَ على أهميته وعظم قيمته، قال الله: {والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}، فكل الناس خاسرون إلا من اشترى الوقت واغتنمه، وهذا خير الناس يخبرنا عن قيمة الوقت بقوله: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ))، فرسول الله – هنا - يذكرنا بفتنة الفراغ، والفراغ هو الوقت الذي لا يعرف قيمته الإنسان فيهدره، ولا يدرك عظم ثمنه فيضيعه، فيصبح عليه فتنة إثمها أكبر من نفعها.

ولذا قال قائلهم:

وما ماضي الشّبـــــــــــــــابِ بمُسْتَرَدٍّ ***   ولا يَوْمٌ يَمُرّ بمُسْتَعــــــــــــــــــــــــــادِ.

متى لحظَتْ بَياضَ الشّيبِ عيني *** فقد وَجَدَتْهُ منها في السّوَادِ

ولكن.. تبقى أمامنا فرصة أخيرة وهي إعادة النظر فيما تبقى من الوقت، فلا يوجد وقت بلا فرص خصبة للاغتنام، فكلنا – لا شك – يعاني من الفراغ أو بعضه، وكما قلنا فالفراغ فتنة، فهلّا اغتنمته قبل البدء في مرحلة جديدة من الندم!!