استحضرالنية فى كل عمل تقوم به ليكون خالصًا لوجه الله تعالى

استشارات
طبوغرافي

بقلم : سمية رمضان

المستشار الأسري

تعرفتُ فى الجامعة على صديقة لى، متزوجة ولديها طفلان، وأنا أحبها جدًا، ولكنى أشعر أنها تلهينى عن دراستى، فأنا أتأثر بصديقاتى ومشاكلهن، وهى كثيرة الحديث عن بيتها وزوجها، وكثيرًا ما نحدد أجزاء من الموادّ الدراسية لنذاكرها، ولكن لا أحد منا يدرس ما حددناه؛ هى بسبب حياتها الزوجية، وأنا بسبب مساعدة أمى فى شغل البيت.

المهم أننى أحيانًا أشعر بالضيق من نفسى بسبب وضع اللوم عليها لقلة دراستى، وأشعر أحيانًا بالحنق عليها، وأنا أريد لهذه الصداقة الاستمرار، ولكن ليس على حساب دراستى وتحصيلى العلمى. وللعلم لا يوجد من زميلاتى فى القسم مثل تدينها والتزامها أى أنها أفضل الموجودات. فبماذا تنصحينني؟


سعدت برسالتك التى وإن دلت فإنما تدل على فتاة مرهفة الحس.. محبة لزميلاتها؛ تبحث عنهم وتسعى لصداقاتهن ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، فالأخوة فى الله نعمة كبيرة من الله فى الدنيا والآخرة.


والصحبة الصالحة أفضل من الوحدة، التى تجعل الإنسان فريسة سهلة للشيطان، يوسوس له بالخطرات ويزين له المعاصى، فإنما يأكل الذئبُ القاصيةَ من الغنم، كما أن المحبة فى الله طريق الجنة فى الآخرة إن شاء الله، بل إنهم فى يوم القيامة يظلهم الله بظله، يوم لا ظل إلا ظله. والمتحابون فى جلال الله، لهم منابر من نور يوم القيامة، بل الأكثر من ذلك أن النبيين والشهداء يتمنون أن يكونوا مثلهم، اسمعى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ الْمُتَحَابُّونَ فِى جَلالِى لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ”.


ومن ثمرات الحب فى الله أنه يجعل المسلمة توّاقة إلى الخير، محبّة لنفسها وصديقاتها ومجتمعها، ولذلك يتغير سلوكها إلى الأفضل دائمًا؛ لأنها ترى فى صديقاتها المرآة التى تقوّمها وتصلحها، ولأنها تكتسب منهن الصفات الحسنة والأخلاق الطيبة، فتحاكى سلوكهن، بل وتصبح هى الأخرى قدوة لغيرها، فيتغير مجتمعنا إلى الأفضل.


وأنا أعتب عليكِ؛ لأنكِ كنتِ سببًا من أسباب تعطيل دراستك وإضاعة الوقت، فكان عليكِ ألا تضيعى وقتك ووقت صديقتك هكذا، فهذا الوقت سنُسأل عنه يوم القيامة، فالوقت نعمة، والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، فلمَ أضعتِ هذا الوقت بكل سهولة؟! ستقولين هى السبب، ومشاكلها العائلية والزوجية تشغل كل وقتك...


أقول لكِ: هذا ليس مبررًا؛ فالكثيرات منا لديهنّ شماعات جاهزة، فعندما نقع فى مشكلة ونكون مِن المتسببات فيها نلقى بتبعاتها على غيرنا، وكأننا غير مذنبات، ولكنى أذكّرك أنك حين تشيرين بإصبع الاتهام إلى شخص تكون باقى الأصابع موجهة إليكِ أنتِ لا غيرك، فاحرصى على الوقت من أجلكما معًا، فواجب الصدافة يحتم عليك مراعاة النفع والمصلحة، وليس الإضرار بالنفس والغير.


كما أنكِ لم ترتبِى أولوياتك، وأولها الواجبات، وأنت طالبة علم، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية دورك هذا فقال: “طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ”. أما السعى فى حل المشكلات فهو عمل طيب، ومن سعى فى حاجة أخيه سعى الله فى حاجته، ولكنه مع ذلك نافلة وليس فرضًا، والفرض أو الواجب مقدم على السنة أو النافلة.


وأخيرًا أقدم لكِ بعض النصائح- أو التوصيات-، وأدعو الله أن تنتفعى بها:
قومى بعمل جدول أعمال شهرى، وقسميه إلى أسبوعى، ثم يومى.. حددى فيه مواعيد للمذاكرة، والمحاضرات، وأعمال البيت، والزيارات.


استحضرى النية فى كل عمل تقومين به ليكون خالصًا لوجه الله تعالى؛ فتحصلين على الثواب العظيم إن شاء الله.
اكتبى فى ورقة المهام التى ستقومين بها قبل زيارة صديقتك، ولا مانع من أن تتعاونا فى اختيار هذه المهام، باستخدام التليفون مثلاً قبل موعد الزيارة، واحرصى أثناء الزيارة على الابتعاد عما يضيع وقتك ووقتها.


قيما معًا نتائج الزيارة، هل حققت الهدف المرجوّ منها أم لا؟ ثم اتفقا على موضوع الزيارة القادمة، مع ترك مساحة للتعديل. تذكرى أن الوقت من النعم فاحرصى على استثمار هذه النعمة فى كل ما هو مفيد ونافع لكِ ولغيرك.


خذى بيد صديقتك وانصحيها بأن تقوم بحل مشاكلها بنفسها، وانصحيها بتطبيق الطريقة الآتية: تحديد المشكلة. وضع مجموعة من الحلول والبدائل. اختيار الحل أو البديل الأفضل. تنفيذ الحل أو البديل المقترح.


وبهذا تكونين قد ساهمت فى حل مشكلات صديقتك بشكل إيجابى، ودون إضاعة الوقت، وكذلك تتعلم هى المحافظة على أسرارها العائلية والزوجية، فتحتفظ بها لنفسها، وتجد الحلول المُرضية والسليمة دون إضاعة وقتك ووقتها.


وأخيرًا حبيبتى.. تذكرى أنكِ طالبة علم، وعملكِ الأساسى هو المذاكرة والتفوق، فنحن نحب أن نراكِ فى أسمى مكانة، فاحرصى على النهوض بنفسك ووطنك. فطعم النجاح حلوٌ لذيذ، ولكنه يحتاج إلى المزيد من الجد والاجتهاد وتأكدى أن من جد و جد، ومن زرع حصد.