نَسَمَاتٌ لُغَويَّةٌ كلمة: أُمَّــــــال

أسرة وطفل
طبوغرافي

أ.د/أحمد عادل عبد المولى

أستاذ البلاغة والنقد الأدبي المساعد،

بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا

images-5

اللغة كائن حيّ، تحيا على ألسنة الناس، ويحيا بها الناس أيضًا؛ إذ إنها وسيلة التواصل بين البشرية جميعًا، ولذلك أشبهت الهواءَ الذي لا غنى للإنسان عنه، ومن هنا يأتي هذا المقال بعنوان "نسمات لغوية"، نسعى فيه جاهدين لتقديم فائدة لغوية في لغتنا العربية.


ولأن اللغة كائن حي؛ فكثيرًا ما نستخدم في حياتنا اليومية تعبيراتٍ وألفاظًا نعتقد أنها منبتّة الصلة عن الفصحى، ولكنها في الحقيقة من أصل فصيح في لغتنا العربية. من هذا استخدامنا في العامية المصريّة لكلمة (أُمَّــال)، وهي في أصلها كلمة منحوتة من كلمتين عربيتين فصيحتين، هما: (إِمَّـا لا)؛ فحين تقول مثلا في العامية وخصوصا في الأمر: (ما تيجي اُمَّال)، فاعلم أن الأصل الفصيح لها هو: افعل هذا إمَّا لا، وهو اختصار لجملة: افعل هذا إن كنت لا تفعل غيره.

ولقد ورد في صحيح الإمام البخاري عن أنس بن مالك قال: "دَعَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الأَنْصَارَ إِلَى أَنْ يُقْطِعَ لَهُمُ الْبَحْرَيْنِ فَقَالُوا لاَ إِلاَّ أَنْ تُقْطِعَ لإِخْوَانِنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَهَا قَالَ إِمَّا لاَ فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِى فَإِنَّهُ سَيُصِيبُكُمْ بَعْدِى أُثْرَةٌ".

tumblr_inline_mybncxf7io1qa1mmw-jpg-3
وفي صحيح الإمام مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا لَكُمْ وَلِمَجَالِسِ الصُّعُدَاتِ اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ، فَقُلْنَا: إِنَّمَا قَعَدْنَا لِغَيْرِ مَا بَاسٍ قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدَّثُ، قَالَ: إِمَّا لاَ فَأَدُّوا حَقَّهَا غَضُّ الْبَصَرِ وَرَدُّ السَّلاَمِ وَحُسْنُ الْكَلاَمِ".

وفي مسند الإمام أحمد: "كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يَقُولُ لِلْخَادِمِ أَلَكَ حَاجَةٌ قَالَ حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَاجَتِى قَالَ وَمَا حَاجَتُكَ قَالَ حَاجَتِى أَنْ تَشْفَعَ لِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ وَمَنْ دَلَّكَ عَلَى هَذَا قَالَ رَبِّى قَالَ: إِمَّا لاَ فَأَعِنِّى بِكَثْرَةِ السُّجُودِ".

%d8%a7%d8%b3%d9%85-%d8%a7%d9%85%d8%a7%d9%84-1-550x309
وجاء في لسان العرب: "وَفِي حَدِيثِ بَيْعِ الثَّمَرِ: إِمَّا لَا فَلَا تبَايَعُوا حَتَّى يَبْدُوَ صلَاحُه؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذِهِ كَلِمَةٌ تَرِدُ فِي المُحاورَات كَثِيرًا، وَقَدْ جاءَت فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْحَدِيثِ، وأَصلها: (إنْ وَمَا وَلَا)، فأُدْغِمت (النونُ فِي الْمِيمِ)، وَ(مَا) زائدةٌ فِي اللَّفْظِ لَا حُكمَ لَهَا، وَقَدْ أَمالت العربُ (لَا) إِمَالَةً خَفِيفَةً، والعوامُّ يُشْبِعون إمالَتها فتَصيرُ أَلفُها يَاءً، وَهِيَ خطأٌ، وَمَعْنَاهَا: إنْ لَمْ تَفعلْ هَذَا فلْيَكن هَذَا".

وحين استخدمت العامية المصريّة هاتين الكلمتين الفصيحتين قامت بنحتهما في كلمة واحدة بعد إصابتها ببعض البِلَى اللفظي، وضمت الهمزة المكسورة في أول الكلمة، وحذفت الألف الأخيرة من (لا)؛ فصارت (أُمَّال)، وبذلك اجتمع في هذه الكلمة المتطورة الحذف والنحت والتحريف، فكان التطور الحادث كما يأتي:
إن كنت لا = إن ما لا = إمَّا لا = أُمَّال
والله تعالى أعلى وأعلم.