المفتى : تنظيم النسل جائز شرعًا ولا تأباه نصوص الشريعة قياسًا على "العزل"

الشارع المصري
طبوغرافي

"انتبه لأنك مسؤول أمام الله قبل الوطن وأولادك عن الأولاد اللى هتجيبهم.. يا ترى قدراتك المالية تتيح لك إنك تنفق عليهم إنفاق مناسب أم لا.. ولو قلت لا يبقى بتظلمهم وهتتحاسب".


بهذه الكلمات حذر الرئيس عبد الفتاح السيسى، من خطورة الزيادة السكانية على تحقيق دولة واقتصاد قويين، للدرجة التى جعلته يطلق عليها "إرهاب الزيادة السكانية"، داعيا المصريين، إلى الاهتمام بتوفير رعاية لأطفالهم على المستويات كافة، بدلا من الإنجاب غير المحسوب وقال الرئيس: "إحنا حصرنا الموضوع فى أكل وشرب، ورغم كده مش قادرين كأسرة نصرف على 4 وبنجيب 4، هل أنا أقدر أرعى 4، أقدر أتكلم مع كل طفل عشان أساهم فى بناء شخصيته، ولا أنا عاوز يبقى عندى 10 عدد وخلاص، إحنا مش عاوزين عدد إحنا عاوزين إنسان متكامل وراقى ومحترم".
يؤكد الخبراء أن الزيادة السكانية تشكل خطرًا كبيرًا على مستقبل الدولة وتتخطى مليونى ونصف المليون وأن هناك دولًا عدد سكانها أقل من المليون وأن حق الطفل فى الرعاية التامة والنشأة الكريمة يعد أحد أهم مؤسسات القول بضرورة تنظيم النسل، وأن الأمر تجاوز القول بالحل إلى تنظيم النسل الذى بات ضرورة ملحة لصالح الطفل والأسرة والمجتمع.
يؤكد علماء الدين أن تنظيم النسل والأسرة جائز شرعا، وأن التنظيم لا يعنى التحديد أو المنع، وإنما يعنى تنظيم عدد أفراد الأسرة، بحسب إمكاناتها لاسيما أن الأبناء هبة من الله سبحانه وتعالى لعباده، وأنهم زينة الحياة الدنيا، وأمانة وفتنة واختبار ومسئولية لا بد من أن يرعاها المرء حق رعايتها، كما أمرنا الله، عز وجل، بالعمل على إصلاح النفس والأهل، والنأى بهم بعيدًا عن الهلاك .
وتعددت المبادرات للحد من الزيادة السكانية، وخفض عدد المواليد، بما يضمن رفع معدلات التنمية وآخرها "كفاية 2"، والتى تستهدف مليون و3 آلاف سيدة فى 6 محافظات تعد الأكثر خصوبة والأشد فقرًا، وهى "البحيرة، والجيزة، والفيوم، وبنى سويف، والمنيا، وأسيوط" وتستهدف "المبادرة" المحافظات الأكثر خصوبة من خلال حملات التوعية، ورفع الوعى الأُسرى، والصحى وخصوصًا فى القرى والنجوع.
ويقع على عاتق كل جمعية رصد بيانات المنطقة التى تعمل بها والخصائص السكانية داخلها لوضع خطة مناسبة مع ظروف كل منطقة للعمل على مكافحة مشكلات الأمية والبطالة والتسرب من التعليم وتنظيم الأسرة بتوفير عيادة مجهزة داخل الجمعية ورفع التوعية بمشكلات الزواج المبكر وكثرة الإنجاب.
من جانبه، قال الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، إن تنظيم النسل جائز شرعًا، وإنه يجوز للزوجين أن يلتمسا وسيلة من الوسائل المشروعة لتنظيم عملية الإنجاب بصورة تناسب ظروفهما وأن تنظيم الأسرة من الأمور المشروعة، والجائزة شرعًا، وأن تنظيم النسل لا تأباه نصوص الشريعة وقواعدها قياسًا على "العزل" الذى كان معمولًا به فى عهد الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم.
ويوضح المفتى أن المقصود بتنظيم الأسرة أن يتخذ الزوجان باختيارهما واقتناعهما الوسائل التى يريانها كفيلة بتباعد فترات الحمل، لتقليل عدد أفراد الأسرة بصورة تجعل الأبوين يستطيعان القيام برعاية أبنائهما رعاية متكاملة مضيفًا أن هناك اتساقًا بين جميع النصوص الشرعية التى تدعو إلى رخاء الإنسان وتحقيق استقراره، ولا تتعارض مع التوازن بين عدد السكان وتحقيق التنمية، حتى لا تؤدى كثرة السكان إلى الفقر، كما استنبط الإمام الشافعى ذلك من قوله عز وجل: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا} [النساء: 3].
وأضاف فضيلة المفتى أن تنظيم النسل بسبب الخوف من حصول المشقة والحرج بكثرة الأولاد والتكاليف ليس منهيًّا عنه شرعًا؛ لأنه من باب النظر فى العواقب والأخذ بالأسباب وأن تنظيم النسل لا ينطبق على التحذير من قتل الأولاد خشية الإملاق لأنهم لم يتكونوا بعد، كما أن الإسلام يدعو للغنى وليس للفقر ويدعو للارتقاء بالمجتمع والأسرة.
وأوضح أن إضاعة المرء لمن يعول ليس فقط بعدم الإنفاق المادي، بل يكون أيضًا بالإهمال فى التربية الخُلقية والدينية والاجتماعية، فالواجب على الآباء أن يحسنوا تربية أبنائهم دينيًّا، وجسميًّا، وعلميًّا، وخُلُقيًّا، ويوفروا لهم ما هم فى حاجة إليه من عناية مادية ومعنوية.
تنظيم جائز
من جانبه يقول الشيخ عبدالحميد الأطرش، الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر، إن تنظيم الأسرة جائز، ولا يتعارض مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «تنكاحوا، تكاثروا، تناسلوا، فإنى مباه بكم الأمم يوم القيامة»، فالإسلام دين نظام فى سائر العبادات كالصلاة والصيام والزكاة، وكذلك تنظيم الأسرة يُعد من بين هذه الأنظمة.
ويضيف الأطرش أنه ثبت طبيا أن لبن الحامل مضر بالرضيع، مشددا على أنه عند الحديث عن تنظيم الأسرة لا بد أن نعرف أن هناك فرقا شاسعا بين كلمتى تنظيم وتحديد، إذ إن التحديد معناه المنع، والمنع معناه القتل، والأخير محرم شرعا.
ويشير إلى أن الإسلام يحرص أشد الحرص على صحة الزوجة، ولهذا يجوز للمرأة ان تنظم حملها بما يتناسب مع حالتها الصحية.
من جانبه، قال الدكتور محمود مهنى، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ، إن مسألة تنظيم النسل لا شىء ولا حرج فيها، والدليل على مشروعيتها وفقًا لنصوص الشريعة والسنة، أن المولى عز وجل قال فى كتابه الكريم فى سورة البقرة "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" مفسراً الآية بالتأكيد على أنه خلال هذين الحولين لا يجوز للمرأة أن تحمل حتى لا تقتل ابنها الرضيع، وذلك يسمى وفقًا للشريعة بقتل "الغيلة" فإذ حملت قبل الحولين فإن الجنين يتعرض للخطر وكذلك المولود.
وأكد مهنى، أن الشرع نهى أن ترضع المرأة وتحمل معًا، مشددًا على أنه ورد عن الصحابة قولهم: "كنا نعزل والقرآن ينزل ولم ينهنا النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك"، فالعزل معناه أن الإنسان عندما يعاشر زوجته لا يقذف بمائه فى موضع الحمل.
تؤكد د.فتحية الحنفى، أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن حفظ النسل مقصد ضرورى من مقاصد الشريعة الإسلامية وأنه لا يوجد نص صريح يحرم الإقلال من النسل أو منعه، ولكن ورد فى السنة الشريفة ما يجيز العزل عن النساء.
وأضافت: "اختلف الفقهاء فى حكم العزل باعتباره وسيلة لمنع الحمل والإقلال من النسل أو كراهته، فمنهم من أباح العزل بكل حال ومنهم من حرمه، ومنهم من قال يحل برضاء الزوجة"، مؤكدة أن إباحة تنظيم النسل لا تأباه نصوص السنة الشريفة قياسًا على العزل الذى كان معمول به وكان جائزًا فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وتابعت: "هناك فرق بين تحديد النسل وتنظيم النسل، فالأول محرم لأنه لا يصح شرعًا وضع قوانين تجبر الناس على تحديد النسل بأى وجه من الوجوه، أما تنظيم النسل فجائز إذا كانت هناك ضرورة تحتم تنظيم النسل فللزوجين أن يتصرف طبقًا لما تقضيه الضرورة".
تري د. إلهام شاهين، أستاذ العقيدة والفلسفة، بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر ، أن تحديد النسل غير جائز شرعًا، لأن العلماء اتفقوا على حرمة ذلك قديمًا، وأباحوا تنظيم النسل، أما أن تقوم الحكومة بتحديد عدد معين من الأطفال لكل أسرة لا يزيد عليه الزوجين فهذا مما نجدر الحكومة أن تنجرف إليه، لأن هذا فيه تجاوز مع الله تعالى، لأن معنى أن تضع الحكومة قانونًا، فهذا يعنى أن تضع أيضًا عقوبة لمن يخالف ذلك القانون".
واستطردت: "فإذا حدث وعمل الزوجين كل الاحتياطات اللازمة لعدم الإنجاب، ورغم ذلك حدث حمل، وكثيرًا ما تحدث مثل هذه الحالات ويكون هناك عدم رغبة من الزوجين فى الحمل، ولكنها إرادة الله فهل يقتلون الطفل حتى لا يقعوا تحت طائلة العقاب القانونى، ويمتثلوا لأمر الحكومة أم يستسلموا لأمر الله، وهل ستعاقبهم الحكومة لأنهما امتثلا لإرادة الله تعالى؟!!