مواجهة الوسواس القهرى بالمنهج الإيمانى

Islam Pillars
طبوغرافي

اعرف عدوّك، يعنى الوسواس الذى عندك أنت تحتاج أن تعرف هل هذا الوسواس من داخلك أنت، أم أن عندك ضغوط نفسية فى حياتك، عندك مثبطات للهمم فى حياتك؟

هذه الوساوس تعطى الإنسان إحساسًا بأنه ضعيف، وغير قادر على المواجهة، ويرى نفسه أقل من الناس، يرى الناس حوله يتقدمون وهو لا يتحرك مكانه بل يتراجع إلى الوراء، دخل الجامعة فلم ينجح بها ولم يحصّل مراده، تزوّج وأنجب فلم يستطع تربية أبناءه التربية المثلى، عمل فى عمل فتغلّب عليه الوسواس وجعله يترك هذا العمل، تراكم عليه الفشل فأصاب حياته بالتوقّف التّام، وهذا التراكم هو الذى فرضه على نفسه.

الوساوس ليست أمورًا حقيقية كما يظنّ البعض، ولكن المعنى الصحيح للوسوسة هو أن الشيطان يُشعرك بالإحباط دون أن يكون هناك سبب للإحباط، يشعرك بالحزن دون وجود أسباب الحزن، يشعرك بالخوف مع توفّر الأمان لديك، يشعرك بالعزلة وأنت فى وسط أحبابك وأصحابك، ولذلك سمُّيت وساوس، أى أشياء غير واقعية، ليست موجودة فى الحقيقة، ولكن الشيطان هو الذى يزيّن ذلك، وهو الذى يهيّئه.

احذر أن تقول: إن الله ظلمنى وفضّل الناس علىّ ، فأنت الذى ظلمت نفسك باتباع الشيطان، وبالبعد عن سبيل الرحمن، واحذر أن تقول: إن الشيطان أقوى منى، هذا مستحيل، قال الله تعالى:  {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} لا يستطيع أن يتغلب على من تقوّى بالله، ومن تحصّن بحصن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنك لم تقاتله، أنت تركته يتغلب عليك وتركته يبول فى أذنيك، ويغتال أحلامك، وأنت جالس هكذا لا حول لك ولا قوة، رغم أن الله وضع لك أساليب قتال الشيطان ومحاربته، ودلّك على طريق الفوز عليه.

الله عزّ وجلّ يقول: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِفًا} قاتل أولياء الشيطان، إن للشيطان أولياءً أولياء من الجنّ ومن الإنس، يعنى الشيطان يستعين بأولياء، ومع ذلك فهو ضعيف، لأن هؤلاء الأولياء ضعفاء أيضًا، إذًا الشيطان يستعين بالضعفاء فلماذا يهزمك؟ لأنك لم تستعن بالقوىّ المتين الذى لا يعجزه شيء فى الأرض ولا فى السماء، لمحة طيبة جدًّا أحبابى الكرام، الشيطان الضعيف هذا يستعين بأولياء ضعفاء، ومع ذلك فإنه يتقوّى بهم على ضعفاء النفوس والقلوب، فما بالك بمن يستعين بالقوىّ، هل يقدر الضعيف على السيطرة عليه؟

لن تنتصر إلا إذا قاتلت، أنت الآن أصبحت فى مواجهة معه، يريد أن يدخلك فى نفق ضيّق لا تستطيع الخروج منه، يريد أن يوقعك فى فكرة معيّنة هادمة لذاتك، مثلًا: إنّ هذا المكان غير نظيف، وهذا المكان محفوف بالمخاطر، احذر أن تشرب من هذا الكوب، احذر أن تقترب من هذا الطعام، يرسل إليك رسائل سيئة، رسائل قاتلة، يقذف إلى قلبك بكل المفاهيم السلبية، فلا بدّ أن تقطع عليه الإرسال، لا بدّ أن تثبت أمامه، قال الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا للَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} إذا لاقيت العدوّ فلا تفرّ أمامه، والشيطان هو اخطر الأعداء، قال تعالى: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} فإذا أردت أن لا تكون من حزبه، فعليك بمحاربته، وعليك بمعاداته ومقاتلته كما أمرك الله تعالى.

كيف نواجه الوسواس القهرى؟

ـ الله عز وجل يأمرنا بأن نذكره كثيرًا حتى نستطيع أن نحارب الشيطان، فأول سلاح لمقاتلة الشيطان وسوسته، هو الذكر، قال تعالى: { ولذكر الله أكبر} أى أن ذكر الله تعالى أكبر من الشيطان، ومن همزاته، ومن وسوسته. الذكر يعطيك إحساسًا بالقوة، لأنك ضعيف كما قال الله تعالى: { وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} من أهم الأسلحة التى تتقوّى بها على الشيطان الذكر.

ـ صلاة الفجر في موعدها والجلوس بصحبة القرآن الكريم والأذكار حتى تطلع الشمس، ثمَّ صلاة ركعتين، تخيل أخى الحبيب أنك فى هاتين الساعتين فقط يكتب الله عزّ وجلّ لك أجر حجّة وعمرة، كاملًا غير منقوص، ولقد أصبحت بعد كل هذا فى ذمّة الله تعالى، أى فى حفظه وعنايته، قال النبى صلى الله عليه وسلم: "من صلى الفجر فى جماعة فهو فى ذمّة الله" الشيطان لا يريدك ان تستيقظ لصلاة الفجر، يظلّ يحبّطك إلى أن تستسلم له ثمّ يبول فى أذنيك.

ـ الحفاظ على الوضوء على مدار اليوم كله، قال النبى صلى الله عليه وسلم: {ولا يحافظ على الوضوء إلا تقىّ.}

ـ النوم على وضوء مع ترديد أذكار قبل النوم.

ـ الرفقة الصالحة، فهى التى تعين الإنسان على التغلب على متاعب الدنيا، وتوجّهه إلى دوام الصلة بالله تعالى.

ـ الحفاظ على قراءة القرآن الكريم، وجعل ورد يومىّ، مع المحافظة عليه.

ـ عدم المبالاة بالوسواس القهرى، أى إذا اقتنعت أن هذه الوساوس مجرّد أوهام وليست بأشياء حقيقية، وليست موجودة فى الواقع، فلن تؤثر عليك، ولن تنال منك.

ـ الاستعاذة بالله تعالى منه فى كل وقت وفى كل حين، قال تعالى: { وإمّا ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله}

نتائج الاستسلام للوسواس:

  • الانتحار، الشيطان قضيته الأساسية زرع المفاهيم السلبية فى داخلك مع الإيهام بأنها أمور إيجابية، كل قضيته هى تنمية الشعور بالإحباط والملل، وبالضغط النفسى، فيبدأ الشعور بالإحباط ينمو إلى أن يصل الأمر إلى اللجوء للانتحار، لا تتعجّب كل من سيطر عليه الوسواس القهرى لا بدّ وأن يحاول أن ينتحر. إما أن ينتحر ويقتل نفسه، وإما أن تذهب إلى المطبخ وتأتى بسكينة لقتل أحد أولادها، كما قالت لى إحدى الأخوات أنها دائمًا تشعر بالرغبة فى قتل أولادها، كل تفكيرها سلمكم الله فى قتل أولادها.
  • الجنون، قد يصل الأمر عند كثير ممن يعانون من مرض الوسواس القهرى إلى الجنون وذلك بسبب كثرة التفكير، وبسبب قلة النوم، وبسبب عدم القدرة على القيام بالأعمال.
  • العدوان على الآخرين.
  • الانطواء والعزلة عن الناس، وعدم القدرة على مواجهة المواقف الاجتماعية المختلفة.
  • الفشل فى العملية الدراسية.
  • الإخفاق فى الحياة الزوجية.
  • الشعور بالدونية، وعدم الثقة فى النفس.

أخيرًا، الوسواس القهرى لن تستطيع أن تواجهه وحدك، فلا بدّ لك من معين لكى تتغلّب عليه،

عليك أخى الحبيب أن تعلم أن للوسواس منافذًا ينفذ من خلالها للوصول إليك، إذًا عليك أن تسُدّ عليه كل هذه المنافذ، وأن تقطع عليه كل الطرق، وأن تبنى أسوارًا عالية لا يستطيع أن يصل إليك من خلالها، هذه الاسوار لا تبن باللبنات وإنما تُبنى بطاعة الله عزّ وجلّ، وبالتحصينات الإيمانية، وباتّباع المنهج الإيمانى فى العلاج.

اللهم نورنا بالقرآن، االهم نورنا بالصلاة، اللهم نورنا بالذكر، اللهم ثبّتنا وثبّت بنا، اللهم أيّدنا وأيّد بنا، اللهم اقبلنا وتقبل منا، اللهم اجعلنا من السعداء، اللهم انصرنا على الشياطين، وانصرنا على أنفسنا، اللهم أيدنا، اللهم اجعل لنا من لدنك وليًّا واجعل لنا من لدنك نصيرًا.

سبحانك اللهم وبحمد، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

 

فضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض.. الداعية والمفكر الإسلامي