كامل الشناوي يتحدى نفسه

روائع الفتح
طبوغرافي

د. أحمد فرحات

12705473_435921626612777_135027400219361073_n

كلية الفارابي بجدة

 إننى لست كثيباً من الرمل تبدده حفنة من الهواء، ولكنى جبل لا أبالى العاصفة، بل أحتفى بها، وأحتضنها، وبدلاً من أن تزمجر فى الفضاء أجعلها تغنى من خلال صخوري!.. فلا يكفى لكى تكون إنساناً أن تحدد لك اتجاهاً وتقف فيه، بل يجب أن تتحرك فى الاتجاه الذى تختاره، فالحركة هى الحياة.  بهذه الكلمات بدأ كامل الشناوي نصائحه وخلاصة تجاربه في الحياة والناس، وهذه تجارب نابعة من إنسان واجه صعوبات جسيمة، كادت أدناها أن تودي بحياته مبكرا، لولا مثابرته، وقوة إرادته بحزم وعزم.

محمد كامل الشناوي(1326هـ-1385هـ. 1908م-1965م)متأدب، من كُتّاب الصحافة  بمصر، ولد في نوسا البحر مركز أجا، ودخل الأزهر، ولم يستمر، فعمد إلى المطالعة ومجالسة الأدباء، حفظ كثيرا من الشعر، وعمل في الصحافة (1935م) ونشر نظما لا بأس به. أقبل المطربون على قصائد الشناوي بنهم، فغنى له فريد الأطرش، وعبد الحليم حافظ، ونجاة الصغيرة، وغيرهم  .

عاش سنواته الخمس والخمسين نموذجا لشاعر الصعاليك الذي أدمن قصص الحب الفاشلة.. وكان كامل سمينا لدرجة أن والده ووالدته كانا يخفيانه عن عيون الجيران الذين جاءوا لشرب «المغات» خوفا على ابنهما من الحسد ، عانى من بدانته معاناة شديدة أمام الناس والأصدقاء، فيقول عن بدانته: كنت في طفولتي عندما أمشي في حي السيدة زينب يلتف حولي العيال ويزفونني : «التخين أهه.. التخين أهه." ولعل إحساس كامل الشناوي بأنه سمين وغير وسيم ظل معه لفترة طويلة من حياته حتى استطاع أن يعوض هذا بالتميز في أعماله الإبداعية، وإتقانها.  وبرغم إضرابه عن الزواج ومحاولاته الفاشلة فيه فإنه حزن كثيرا لفقدانه صحته وماله. وأنه مر في الحياة دون ولد أو امرأة تسأل عن تأخره آخر الليل, وفي هذا يقول: سوف أسبق الــ 24ساعة الأخيرة من حياتي وأموت. فهول الموقف يكفي ليوقف دقات قلبي! وليس عندي التزامات أهتم بتصفيتها في لحظاتي الأخيرة. فأنا أعيش يوما بيوم مثل البقال الذي يفتح دفتر اليومية الصبح, ويقفل حساباته آخر الليل, وأنا لا أملك رصيدا في أي بنك ولا بوليصة تأمين, والرجل الوحيد الذي سيشرب المقلب هو صاحب البيت الذي أسكن فيه!

ويقدم تجاربه في عبارة نثرية مركزة، قد تجد لها صدى في حينه، أو بعد ذلك، وأظن أن شبابنا بحاجة إلى هذه الخلاصة المكثفة، في لفظ رشيق، وعبارة تليق، وثوب أنيق، فيقول:   

  • الذين يحيون هم الذين يريدون، وليست الإرادة رغبة عابرة، ولكنها عمل دائم مستمر. 
  • نحن الذين تدور رؤوسنا طول النهار والليل: نحتاج إلى لحظة تتوقف فيها الرؤوس عن الدوران. نحتاج إلى الانطلاق فى الفضاء، والارتماء فى أحضان شارع، أو مطعم، أو أى مكان عام! 
  • ما من ابتسامة ارتسمت على شفتي إلا دفعت ثمنها دمعا وأنينا.
  • إن الإنسان الذي يكره يبدو هادئا مطمئنا صحيحا معافى من الأمراض والأسقام والتبعات.. بينما الإنسان الذي يحب ولا يكره يبدو قلقا حائرا مريضا، مثقل الرأس بالهموم والأفكار.
  • عشت عمرى محباً، رحيماً، رءوفاً. الحب والرحمة والرأفة هى مقومات نفسى إذا هدمتها فقد هدمت نفسي. إنها حافزى فى كل تصرف، وهدفى من كل عمل.

ذلكم الرجل الذي ظل يعانى من القلق الدائم والحب الدائم والضحك الدائم.. في كل مرة كان يصارع فيها الحزن كان يلقى أشد الهزائم فيسرع إلى الناس يضاحكهم ويدفن في صخبهم أحزانه،إنه صاحب "حبيبها" و"لا تكذبي" وروائع أخرى.