"ما توقف مطلب أنت طالبه بربك، ولا تيسر مطلب أنت طالبه بنفسك"

محاضرات
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور احمد عبده عوض 

هذه الحكمة تعلمنا الكثير من أخلاق الصالحين، وأخلاق المؤمنين في الاعتماد على الله تعالى، وفي التوكل على الله عزّ وجلّ.
يقول الله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا} يعلمنا الله تعالى أن لا نعتمد على أنفسنا في في أى عمل إلا بعد الاستعانة بالله تعالى وتقديم المشيئة، لأنه لا يتمّ شيئ في هذا الكون إلا بإرادة الله تعالى وبتقديره له.
ما توقف مطلب أنت طالبه بربك، يعنى عندما يعزم الإنسان على فعل شيء ما فيجب عليه الاستعانة بالله تعالى وحده، لأن الإنسان إذا اعتمد على نفسه في العمل ووثق في نفسه ثقة عمياء ولم يستعن بالله تعالى لن ييسّر الله تعالى له هذا العمل.


الاستعانة بالله تعالى:
أيها الإخوة الأحباب إن المؤمن الذي يريد أن يرتقي في أشرف منازل الآخرة، ويريد أن يوفقه الله تعالى إلى كل خير في الدنيا، لا يستطيع أن يرتقي إلا بعد عون الله وتوفيقه له، والمصلي كل يوم يقول في صلاته: { إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} .[الفاتحة :5]
ففى تفسير هذه الآية. قال الشيخ السعدي رحمه الله: أي نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة.
فكأنه يقول: نعبدك، ولا نعبد غيرك، ونستعين بك، ولا نستعين بغيرك .
و العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال، والأقوال الظاهرة والباطنة.
و الاستعانة بالله: هي الاعتماد على الله في جلب المنافع، ودفع المضارّ، مع الثقة به في تحصيل ذلك.


والاستعانة به هى الوسيلة للسعادة الأبدية، والنجاة من جميع الشرور، فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بعبادة الله العبادة الخالصة وبالاستعانة به وحده.
والله تعالى هو المستعان الذي بيده تحقيق النفع ودفع الضر، فلا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يدفع السيئات إلا هو سبحانه . وهذا أمر تكرر تأكيده في القرآن الكريم في مواضع كثيرة:
قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
وقال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.


وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}
وقال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
وقال تعالى: {: أمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ * أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ}
قال ابن القيم : (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه) متضمن لكنز من الكنوز وهو أن كلَّ شيء لا يطلب إلا ممن عنده خزائنه ومفاتيح تلك الخزائن بيديه، وأن طلبه من غيره طلب ممن ليس عنده ولا يقدر عليه.

 


روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلّ خير، احرص على من ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقول لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل))، يوصينا النبىّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن نستعين بالله تعالى وأن نصبر على طاعته، وأن لا نيأس من رحمة الله تعالى، وأن نوقن بأن الله تعالى خلق كل شيء بإرادته، وقدّر كل شيء بمشيئته.


التوكل على الله:
قال الله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} جعل الله هذا من ثواب التقوى وهو تفريج الشدّة وحصول الرزق أيًّا كان نوعه، أما التوكل فثوابه أعظم: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ}، وقد أثنى الله تعالى على نفسه بأنّه نعم الوكيل، {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} وهذا الثناء يفتح لأولي الألباب أبوابًا من المعاني الجليلة التي يستلزمها هذا الثناء الجميل فيثمر التفكر فيها من ثمرات اليقين والإيمان ما يحمل العبد على الثقة بالله والرضا به. وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أَنَّ رَسولَ الله قال: ((لو أنَّكم تتوكلون على الله حقَّ توكلهِ : لرزقكم كما يرزق الطير، تَغْدو خماصاً وتَرُوحُ بِطانا)).


تقديم المشيئة:
علمنا النبى صلى الله عليه وسلم أن لا نعزم على فعل شيئ في المستقبل إلا بعد تقديم مشيئة الله تعالى، لأن الله تعالى هو الذى ينجز الأمور وهو الذى يُتمّ الأعمال ولا يحدث شيء إلا بإرادته، ولا يقع أمر إلا بعلمه، قال تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا} فنحن إذا قدّمنا المشيئة لله تعالى يسّر الله لنا الأمور، وقرّب لنا البعيد، وهون علينا الصعيب، وجعلنا ممّن نالوا قربه في الدنيا والآخرة. فيجب على المسلم قبل أن يبرم أمرًا أن يقدّم مشيئة الله عزّ وجلّ، فإن الله تعالى قدّر كلّ شيء، فتقديم المشيئة أدب، فتقدم مشيئة الله على مشيئتك أنت، ولا يجوز أن تسوي بين مشيئة الله ومشيئتك، ومن باب أولى أن تقدمها عليها.
وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع رجلاً يقول له: ما شاء الله وشئت، فقال: (أجعلتني لله ندا؟! قل: ما شاء الله وحده، أو ما شاء الله ثم شئتُ)
ما توقف مطلب أنت طالبه بربك، ولا تيسّر مطلب أنت طالبه بنفسك.