تخلص من الوسواس بالاستغفار وقوة العزيمة والثقة بالله

محاضرات
طبوغرافي

محاضرة متخصصة

بقلم/ فضيلة الاستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الاسلامى

 

أحمد عبده عوض- جريدة الفتح اليوم

 

معنى الوسواس لغويًّا واصطلاحيًّا:

يقال وَسْوَسَ الشيطانُ إليه وله، وفي صدره وَسْوَسَةً ووِسْوَاساً: حدَّثه بما لا نَفْعَ فيه ولا خير. ويقال: وَسْوَسَت النفْسُ. وتكلَّم بكلام خفيٍّ مختلط لم يبيِّنه. و(وُسْوِسَ): اختَلَطَ كلامُه ودُهِش. وفي حديث عثمان: لمَّا قُبِضَ رسولُ الله صَلى الله عليه وسلم: ((وُسْوِسَ ناسٌ، وكنتُ فيمن وُسْوِس)) والوَسْوَاسُ: الشيطانُ، ومَرَضٌ يَحدُث من غلبة السَّوداءِ، يختلط معه الذِّهن.

والمراد بمرض الوسواس هو الذي يكون مسيطرا على تفكير العبد وسلوكه في سائر أحواله لا ينفك عنه، أما الوسوسة الطارئة وخاطرة السوء والهم بالمعصية الذي يعرض للعبد أحيانا فهذا لا يعد مرضا وأمره سهل بإذن الله تعالى، ولا يضر العبد ذلك ولا يحاسب عليه إذا طرده وتخلص منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الله تجاوز لأمتي عما وسوست به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم)) رواه البخاري.  

 

الأصل في الوسواس القهري أنه من عمل الشيطان:

 الشيطان يبدأ في وسواس العبد في الشيء اليسير في عبادته وعمله وسلوكه فإن استعاذ منه وامتنع عنه لم يتغلب عليه وإن استجاب له العبد وكان ضعيفا شدد عليه الشيطان وأكثر من وسواسه، وتمكن منه حتى يشككه في دينه وربه ونبيه ويهجم على قلبه ويضعف عزيمته ويبطل عمله ويكون العبد له أسيرا . قال عثمان بن أبي العاص : ((يا رسول الله: إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي ‏وقراءتي يلبسها علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، ‏واتفل عن يسارك ثلاثاً))، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني)) [رواه مسلم] .‏ وفي الغالب ينفذ الشيطان على العبد في حال غفلته وضعفه وخوره وفتنته بالدنيا وغير ذلك من أحوال ضعف البصيرة وقلة الإخلاص، قال الله تعالى {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}. وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه ((ذكر لي أن الشيطان الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح فإذا ذكر الله خنس)). وقال ابن عباس في قوله: (الوسواس الخناس) قال: ((الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس فإذا ذكر الله خنس)).  

 

درجات الوسواس القهري:

الناس يتفاوتون، فمنهم من وسواسه خفيف، ومنهم من وسواسه متوسط ومنهم من وسواسه شديد، ومنهم من وسواسه في العبادات ومنهم من وسواسه في الاعتقادات.

 

الآيات الواردة في الوسواس:

** {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . مَلِكِ النَّاسِ . إِلَهِ النَّاسِ . مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ . الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ . مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [سورة الناس] .

** {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: 20] .

** {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} [طه: 120] .

** {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: 16].

 

الأحاديث الواردة في الوسواس:

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: ((ما من مولود إلا على قلبه الوسواس فإن ذكر الله خنس، وإن غفل وسوس وهو قوله تعالى {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [مستدرك الحاكم].

عن ابن عباس قال: ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أحدنا ليجد في نفسه الشيء لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به، فقال صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة)) [صحيح ابن حبان].

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجدون من الوسوسة، وقالوا: يا رسول الله إنا لنجد شيئًا لو أن أحدنا خر من السماء كان أحب إليه من أن يتكلم به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك محض الإيمان(( [مسند أحمد].

عَنْ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ‏ ‏رضي الله عنه قَالَ: ((‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ: هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّه،َ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ)) قال أبو هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا، حتى يقول من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته)) [صحيح البخاري].

عن عبد الله قال: ((سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة قال:  ((تلك محض الإيمان)) [صحيح مسلم].

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، فإذا قضي أقبل فإذا ثوب بها أدبر، فإذا قضي أقبل حتى يخطر بين الإنسان وقلبه، فيقول: اذكر كذا وكذا، حتى لا يدري أثلاثًا صلى أم أربعًا، فإذا لم يدر ثلاثًا صلى أو أربعًا سجد سجدتي السهو)) [صحيح البخاري].

عن أبي العلاء أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثًا، قال ففعلت ذلك فأذهبه الله عني)) [صحيح مسلم].

 

المنهج الإيماني في علاج الوسواس القهري:

 1- أن يعلم المبتلى بذلك أن ما أصابه مرض ابتلاه الله به لحكمة فيصبر على ذلك ويحتسب، قال تعالى {وَمَا أَصَابَكُمْ

مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}.

2- أن يكثر العبد من الاستعاذة بالله من شرور الشيطان، وأن يلتجئ لله ويعتصم به. قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

3- أن يطلب العون من الله ويحسن التوكل عليه، ويوقن أنه لا يمنعه من الشيطان ويقيه إلا الله، ومن استعان بالله على أحد من خلقه كفاه شره وعصمه ووقاه منه ويسر أمره. قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}. وقال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}. 

4- أن يكثر من الدعاء الصادق لا سيما في الأوقات والأماكن الفاضلة، ويطرح بين يدي الله ويدعو دعوة المضطرين بخوف وإنابة وحسن ظن بالله. قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}.

5- إذا هجم الوسواس عليه قطع التفكير به ولم يستسلم له، بل اشتغل بأمر آخر ديني أو دنيوي نافع. وينبغي له أن يملأ وقته ويومه بكثير من الأعمال والبرامج ولا يبقى فارغًا يتسلط التفكير عليه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يأتي الشيطانُ أحدَكم فيقول من خلق كذا وكذا ؟ حتى يقول له من خلق ربَّك ؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته)) "رواه مسلم" . 

6- إذا وجد ذلك في نفسه فليقل: {آمنت بالله} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق اللهُ الخلقَ ، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئًا فليقل آمنت بالله)) رواه مسلم. وليكثر من النظر في كتاب الله، ودلائل الإيمان، وأسماء الله وصفاته وأفعاله الجميلة والجليلة، ويتفكر في آيات الله الكونية، وقراءة الأحاديث النبوية، وسماع كلام أهل الحق والحكمة ومجالس العلم. قال تعالى {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}. 

7- أن يتحلى بالثقة بالله، وقوة القلب والعزيمة، ويوقن بضعف الشيطان وكيده. وليعلم أن ارتفاع معنوياته ومستواه النفسي له أثر عظيم ودور كبير بإذن الله في حصول علاجه وتخلصه من الوسواس. قال تعالى: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}. وقال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}. 

8- أن يكثر من ذكر الله والتدبر فيه، خاصة الفاتحة، والمعوذات، وسورة البقرة، فإن لذكر الله أثر عظيم في اطمئنان القلب وطهارته، وذهاب صدأه وقسوته ووحشته من الشبهات المحرقة والشهوات المظلمة. قال تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.  

 

من أقوال العلماء واجتهادات العلماء في علاج الوسواس القهري:

 يقول ابن القيم -رحمه الله- في إغاثة اللهفان: ((لا ريب أن الشيطان هو الداعي إلى الوسواس، فأهله قد أطاعوا

الشيطان ولبوا دعوته، واتبعوا أمره ورغبوا عن أتباع سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريقته)).

قال الشيخ أبو محمد ابن قدامة المقدسي في كتابه (ذم الوسواس): ((ثم إن طائفة الموسوسين قد تحقق منهم طاعة الشيطان حتى اتصفوا بوسوسته، وقبلوا قوله وأطاعوه، ورغبوا عن أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، حتى إن أحدهم ليرى أنه إذا توضأ وضوء الرسول عليه الصلاة والسلام، أو صلى كصلاته فوضوءه باطل وصلاته غير صحيحة، ويرى أنه إذا فعل مثل فعل الرسول عليه الصلاة والسلام في مؤاكلة الصبيان وأكل طعام عامة المسلمين أنه قد صار نجساً يجب عليه تسبيع يديه وفمه، كما لو ولغ فيهما كلب أو بال عليهما هر)).

ثم إنه بلغ من استيلاء إبليس عليهم أنهم أجابوه إلي ما يشبه الجنون، ويقارب مذهب السوفسطائية، الذين ينكرون حقائق الموجودات، والأمور المحسوسات، وعلم الإنسان بحال نفسه من الأمور الضروريات اليقينيات، وهؤلاء يغسل أحدهم عضوه غسلاً يشاهده ببصره ويكبر، ويقرأ بلسانه بحيث تسمعه أذناه، ويعلمه بقلبه، بل يعلمه غيره منه ويتيقنه، ثم يشك: هل فعل ذلك أم لا؟ وكذلك يشككه الشيطان في نيته وقصده التي يعلمها من نفسه يقيناً، بل يعلمها غيره منه بقرائن أحواله، ومع هذا يقبل قول إبليس في أنه ما نوى الصلاة ولا أرادها، مكابرة منه لعيانه، وجحداً ليقين نفسه، حتى تراه متلدداً متحيراً، كأنه يعالج شيئاً يجتذبه، أو يجد شيئاً في باطنه يستخرجه، كل ذلك مبالغة في طاعة إبليس، وقبول وسوسته، ومن انتهت طاعته لإبليس إلي هذا الحد فقد بلغ النهاية في طاعته.

ثم إنه يقبل قوله في تعذيب نفسه ويطيعه في الإضرار بجسده، تارةً بالغوص في الماء البارد، وتارة بكثرة استعماله وإطالة العرك، وربما فتح عينيه في الماء البارد، وغسل داخلهما حتى يضر ببصره، وربما أفضى إلي كشف عورته إلي الناس، وربما صار إلى حال يسخر منه الصبيان ويستهزئ به من يراه.

ذكر أبو الفرج بن الجوزي عن أبي الوفاء بن عقيل: ((أن رجلا قال له: أنغمس في الماء مراراً كثيرة وأشك، هل صح لي الغسل أم لا؟ فما ترى في ذلك؟ فقال له الشيخ اذهب، فقد سقطت عنك الصلاة، قال: وكيف؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رُفع القلم عن ثلاثة: المجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يبلغ))

ومن ينغمس في الماء مراراً ويشك هل أصابه الماء أم لا، فهو مجنون.

قال: ((وربما شغله بوسواسه حتى تفوته الجماعة، وربما فاته الوقت، ومنهم من يحلف أنه لا يزيد على هذا، ثم يكذب))

 

 

وهناك كلام نفيس لابن القيم الجوزية رحمه الله:

))فمن أراد التخلص من هذه البلية فليستشعر أن الحق في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله، وليعزم على سلوك طريقته، عزيمة من لا يشك أنه على الصراط المستقيم، وأن ما خالفه هو من تسويل إبليس ووسوسته، ويوقن أنه عدو له لا يدعوه إلى خير {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [فاطر: 6].

هذا وما كان من صواب فمن الله ، وما كان من خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان.. 

والله الموفق والهادي إلى سواء الصراط

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين