كتاب (النقاء والبقاء)

عرض كتاب
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الأسلامى

maxresdefault

إن العمل الصالح لكى يكون صالحًا فإنه يحتاج إلى أمرين: النقاء والبقاء، أما النقاء فهو: خلو العمل من الرياء والسمعة، ووصوله إلى مرحلة الصفاء والتجرد. وهذه المعانى القرآنية لمعنى صلاح العمل، وهى الفهم الحقيقى لصلاح العمل، قال الله عز وجل: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثى وَهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } [النحل: 97]، وقال تعالى {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف:110] . وقال تعالى { وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82] .

وصلاح العمل ونقاؤه مرتبطان بالإخلاص فيه، واستحضار الهمة عند عمله، والقصد والتجرد، وهذه المعانى يمكن توضيحها من آيات الذكر الحكيم: ] قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ [ [الزمر: 11]. ] قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِى [ [الزمر:14].
وأما البقاء فهو : بقاء أثر العمل الصالح ذخرًا لصاحبه فى الدنيا والآخرة، وهذا البقاء للعمل لا يكون إلا فى حالة صدق هذا العمل والإخلاص فيه، وعلى قدر الإخلاص فيه والصدق فيه، يأتى له البقاء بإذن الله سبحانه وتعالى

تعبّد المؤمن لله يكون بعمل صالح خالٍ من الرياء والسمعة 

البقاء والنقاء معًا يجتمعان فى الأخلاق الإسلامية الطيبة، وفى حسن الخلق وصلاح النفوس، والتأدب مع البشر. وهذه هى المعانى التى نركز عليها فى هذا التلخيص الموجز لكتاب النقاء والبقاء؛ حيث نبرز أهمية الأخلاق الحسنة فى الإسلام التى هى مظهرٌ للنقاء والبقاء، ونتناول فى هذا التلخيص عددًا من المحاور المهمة، (حالة النقاء والبقاء للعمل، الصدق مع الله، ، تلوث القلوب والجوارح، نقاء المرأة المسلمة، ، قد أفلح من تزكى).

إن تزكية النفوس أصعب من علاج الأبدان وأشدُّ، وطريق تهذيبها وتأديبها وتصفيتها هو طريق الرسل الكرام - صلوات ربى وسلامه عليهم- فالرسل أطباء القلوب، فلا سبيل إلى تزكيتها وصلاحها إلا من طريقهم، وعلى أيديهم، والتسليم لهم، وتزكية النفس إحدى مراتب الإحسان.

ولهذا فقد حدّد رسول الله صلى الله عليه وسلم الغاية الأولى من بعثته، والمنهاج المبين فى دعوته بقوله: [ إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق] [أخرجه الإمام مالك] والعبادات التى شرعت فى الإسلام، واعتبرت أركانًا فى الإيمان به هى أساس الأخلاق الصحيحة، وأن يظل مستمسكًا بهذه الأخلاق مهما تغيّرت أمامه الظروف.

والقرآن الكريم والسنة المطهرة، يكشفان - بوضوح- عن هذه الحقائق الأخلاقية، فالصلاة الواجبة - عندما أمر الله بها- أبان الحكمة من إقامتها، فقال عز وجل: { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ } [العنكبوت:45].

فالابتعاد عن الرذائل، والتطهير من سوء القول وسوء العمل، هو حقيقة الصلاة .. وقد قال صلى الله عليه وسلم: { إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتى، ولم يستطل بها على خلقى، ولم يبت مصرًا على معصيتى، وقطع النهار فى ذكرى، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب }.

والزكاة المفروضة ليست تؤخذ قهراً، بل هى -أولاً- غرس لمشاعر الحنان والرأفة، وتوطيد لعلاقات التعارف والألفة بين شتى الطبقات [ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ] [التوبة:103] .

وكذلك شرع الإسلام الصوم، فلم ينظر إليه على أنه حرمان مؤقت من بعض الأطعمة والأشربة، بل اعتبره خطوة إلى حرمان النفس دائمًا من شهواتها المحظورة، وإقرار لهذا المعنى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من لم يدع قول الزور، والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه } [رواه البخارى].

ولهذا فإن لم يستفد المرء من هذه العبادات فيما يزكى قلبه، وينقى لبّـه ويهذب صلته بالله تعالى ثم بالناس فقد ضل طريق الحق واتبع هواه.

حالة النقاء والبقاء للعمل
كيف يبقى العمل؟ وكيف يـُنقى العمل ؟ وكيف يرفع العمل ، ويتفاضل بين الأعمال ؟ وأى الأعمال أنقى وأثبت وأرسخ وتشفع لصاحبها يوم القيامة؟

إن أصحاب النظريات الكونية يقولون: البقاء للأصلح ، ولكن نحن نقول: البقاء للأخلص، وهذا معنى قرآنى جميل، وهناك أعمال دنيوية تأخذ صفات أخروية .. صار العمل نقياَّ ثم بقياَّ، فقد قال تعالى { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً } [الكهف:110].

أى قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ من ربى أنما إلهكم إله واحد ، فمَن كان يخاف عذاب ربه ، ويرجو ثوابه يوم لقائه ، فليعمل عملاً صالحًا لربه موافقًا لشرعه ، ولا يشرك فى العبادة معه أحدًا غيره.

ولا تغتر بالبيوت العالية والسيارات الفارهة أى لا تنخدع بمظاهر الناس، فرب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره، فلا تنخدع بالمظاهر.

ذكروا أن مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابها جدب وقحط ، فصلى الناس صلاة الاستسقاء فلم تأت إغاثة من الله تعالى ، فصلوا مرة ثانية فلم تأت إغاثة من الله ففجعوا أو ضجوا فذهبوا إلى المسجد النبوى الشريف يتضرعون إلى الله ، يا رب ، يا رب .. فكان هناك شاب فدعا لهم وقال: أقسمت عليك لتسقينهم ، أقسم على الملك ، لابد وأنه عنده إخلاص قوام لله وصوام له.. أى حالة إيمانية عالية له عند الله تعالى ، وما هى إلا لحظات وارتعدت السماء وأمطرت سبحان الله تعالى .

معنى البقاء أى ديمومة العمل واستمراره ، فإن الإنسان يتذوق حلاوة العمل ، والذى يقيم الصلاة ركعتين أفضل ممن لا يقيم وهكذا قال تعالى: { قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّيـــــــنَ } [الزمر:11]
فالعبادة تذلل ، وخضوع ، وتفويض ، وتسليم ، ولكن بشرط ، كالذى يصلى ولا يخرج من صلاته إلا متكبراً لأنه لم يصل إلى مرحلة التذلل ، والأصل أن يتذلل لجلاله ، لخالقه جل فى عُلاه الذى كان يسجد بين يديه .. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “لينوا لإخوانكم” . المسلم لابد وأن يكون ليناً يراجع نفسه مرة واثنين ، لا تكن حاد القلب وقاسياً فى طباعك.

وانظر إلى الرابط القرآنى معنى النقاء للعمل اعبد الله بشرط (مخلصاً له الدين) وهذا ربط قرآنى عظيم فى كل السور .. والله تعالى يــربط دائماً بين العبادة الخالصة ، والعمل الخالص (مخلصاً له الدين) .

ومعنى هذا الإخلاص تلحظه فى قوله تعالى عندما يأتى اللبن وهو سائل أبيض لم يصل إلى حالة متريب أى رايب أو زبادى هو فى الأساس لبن أبيض لماذا أبيض ؟ وما علامات البياض ؟ لبناً خالصا سائغا للشاربين كقوله تعالى: { وَإِنَّ لَكُمْ فِى الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } [النحل:66].

أى لقد شاهدتم أننا نسقيكم من ضروعها لبنًا خارجًا من بين فَرْث - وهو ما فى الكَرِش - ودماً خالصًا من كل الشوائب، لذيذًا لا يَغصُّ به مَن شَرِبَه .

والمعنى أن اللبن لم يصل إلى حالة النقاء ، وصار أبيض إلا بعد ما خلصه الله تعالى من الدم فلم يخالطه شيء من القاذورات ، لأجل ذلك هو خالص وسائغ للشــاربين ، صـار بين الدم والقاذورات حتى صار خالصا للشاربين .

نستفيد من هذا المعنى أنه لابد وأن نعيش على حالة نقاء فأى غل أو حقد أو حسد فإنه ينزل فى الحال ، وبين الرجل والرجل ، يغسل الذنوب لى ولك ، وعند المصافحة لابد أن تحمل كل خير للغير .

فالمسلم يتشبه باللبن فى الصفاء والنقاء، وأن قلبه مثل اللبن النقى لا يحمل مكروهاً أو إيذاءً لأحد، والنبى الكريم $ وصفه بأنه مخموم القلب صدوق اللسان فقالوا: صدوق اللسان أى صادق لسانه، ماذا عن مخموم القلب ؟ فقال: “ من ليس فى قلبه غش ولا حقد ولا غل لأحد”.

الصـدق مـع الله
إن القلوب النقية وجدناها فى قلوب الأنصار لإخوانهم المهاجرين، فهم ضايفوهم وزوجوهم منهم والله - جل جلاله- عندما يثنى على مجموعة من الناس يمدحهم ويمجدهم، يجب عليك أن تتصفح أحوالهم وأخلاق الأنصار فى القرآن الكريم، نجد أن عندهم سمة أساسية، وهى سمة النقاء، قلوب ليس فيها خدش ، قال عنهم الملك تبارك وتعالى { وَالَّذِينَ تَبَوَّءوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( [الحشر:9].

أى صار الإيمان سمة لهم ، وهى دار الهجرة والنبوة وحجرات الحبيب عليه الصلاة والسلام ، عليك أن تحب أخاك فى الله - سبحانه وتعالى - هذا شيء جميل ، ولكن هناك مرتبة أعلى من ذلك ، وهى أن تحب الخير لأخيك أكثر من نفسك،

ففى معركة اليرموك ضربوا أعظم صورة فى الإيثار كما ذكر الطبري، معظم الأنصار خرجوا فى الموقعة ، وأبناء الفاروق عمر - رضى الله عنه - واستشهد كثير من صحابة النبى $ ستة عشر من الصحابة جرحاً وعطشاً ، فكلما تقدم الماء لأحد يشرب يقول أخى أحوج منى ، وظل الماء يدور عليهم جميعاً ، وكان الماء قليلاً حتى عاد الماء إلى الأول، والكل يرفض أن يشرب قبل أخيه فقال الملك: { .... وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [الحشر:9]. أى إنه محتاج، ولكنه يرى مع يقينه مع ربه أن غيره أحوج فعاد إلى الأول ، ليشرب فوجدوه شهيداً ، وهكذا فهم ينتظرون شراباً أفضل يجرى فى أنهار الآخرة وليس الدنيا ، وكان لسان حالهم : { وسقاهم ربهم شراباً طهورا}.

ويقول تعالى { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } [الحديد:16]

أي: ألم يحن الوقت للذين صدَّقوا الله ورسوله واتَّبَعوا هديه، أن تلين قلوبهم عند ذكر الله وسماع القرآن، ولا يكونوا فى قسوة القلوب كالذين أوتوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى الذين طال عليهم الزمان فبدَّلوا كلام الله، فقست قلوبهم، وكثير منهم خارجون عن طاعة الله ؟ وفى الآية الحث على الرقة والخشوع لله سبحانه عند سماع ما أنزله من الكتاب والحكمة، والحذر من التشبه باليهود والنصارى، فى قسوة قلوبهم، وخروجهم عن طاعة الله.

تلوث القلوب والجوارح
قال الله تعالى { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الزمر:65].

ولقد أوحى إليك - أيها الرسول - وإلى من قبلك من الرسل: لئن أشركت بالله غيره ليبطلنَّ عملك، ولتكوننَّ من الهالكين الخاسرين دينك وآخرتك؛ لأنه لا يُقبل مع الشرك عمل صالح.

والكلام لسيدنا النبى صلى الله عليه وسلم، وهل يعقل أن رسولاً يشرك بالله - عز وجل - ؟ الذى جعله رسولاً ، الذى أنزل عليه الكتاب، وهو يتولى الصالحين إن الله تعالى يعلمنا فى شخص سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وليس بالضرورة الشرك كما فى قوله تعالى: { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الزمر:65].

ليس بالضرورة إن الشرك أن تشرك بالله شيئاً أو أن تعبد مع الله تعالى أحداً - لا - ليس هذا ، وإنما الشرك هنا أن تلوث قلبك بالتعلق بغير الله تعالى أو أن تلوث قلبك بالاستعانة بغير الله تعالى أو تلوث قلبك بأنك تعمل عملاً صالحاً ولكنك ما أردت به وجه الله تعالى هذا اسمه شرك أنت مسلم تقيم الصلاة ، وتقيم الزكاة ولكنك فى غفلة من الغفلات، والذى يقول فى نفسه : إنى أريد أن أعمل حسنة لكن وهو يعمل الحسنة تمنى لو أن الناس ذكروه بالخير كمن قالوا فلان زار دار الأيتام وفلان أطعم الطعام ، فلان عمل وعمل كذا وكذا لو أتى إلى قلبك وأنت تشتغل لله تعالى ، وتعمل لله تعالى واردة أو خاطرة أو شاردة أنك تريد أن تذكر عند الناس والناس يتناقلون أخبارك ويشيدون بك لو جاءك هذا الإحساس فأنت داخل فى هذه الآية كما فى قوله تعالى: {.... لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ .... } [الزمر:65].

كل هذا يذهب؟ لأن عملك لم يكن نقيًّا شابه تلوث والله - سبحانه وتعالى - ؛ لأنه العزيز، ولأنه الكبير، ولأنه المتعالي، ولأنه أولى بالحمد لأنه أولى بالشكر لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه كما فى قوله تعالى: { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الزمر:65].

وبعد أن يحبط العمل الإنسان يساوى صفرًا، و ليس عنده شيء ولتكونن من الخاسرين، وخسر أى أصبح نتاج عمله صفراً ماذا أفعل - بل الله فأعبد- أى اجعل عملك وسعيك وقصدك ، واجعل العبادة والذكر وأجعل كل شيء للملك كما جاء فى قوله تعالى: { بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ } [الزمر:66].

بل الله فاعبد - أيها النبي- مخلصًا له العبادة وحده لا شريك له، وكن من الشاكرين لله .

طهارة القلب من المعاصى

قال الله تعالى: { وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِى هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الأعراف:43].

أى أن الله تعالى أذهب الله ما فى صدور أهل الجنة من حقد وضغائن، ومن كمال نعيمهم أن الأنهار تجرى فى الجنة من تحتهم .. وقال أهل الجنة حين دخلوها: الحمد لله الذى وفَّقنا للعمل الصالح ، الذى أكسبنا ما نحن فيه من النعيم، وما كنا لنوفَّق إلى سلوك الطريق المستقيم لولا أَنْ هدانا الله سبحانه لسلوك هذا الطريق، ووفَّقنا للثبات عليه، لقد جاءت رسل ربنا بالحق من الإخبار بوعد أهل طاعته، ووعيد أهل معصيته، ونُودوا تهنئة لهم وإكرامًا: أن تلكم الجنة أورثكم الله إياها برحمته، وبما قدَّمتموه من الإيمان والعمل الصالح.

قال الله تعالى {........ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } [الأحزاب:33].
فكيف يكون حال وقلب النبى من النقاء؟ كيف يستطيع المسلم أن يتطهر بصورة عامة ؟ من أراد من أن يتطهر الذى ليس من نساء وأصحاب النبى صلى الله عليه وسلم لا يحزن ، لا يقول: أين نحن من هذه الآية لا تحزن الله تعالى هو الذى يطهرك إلى أن تقوم الساعة كل “أمة” محمدية تطهر إلى أن تقوم الساعة.

لا بد من طهارة الباطن والظاهر والأساس فى قوله تعالى: { وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا
الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } [الحشر:10].

والذين جاءوا من المؤمنين من بعد الأنصار والمهاجرون الأولون يقولون: ربنا اغفر لنا ذنوبنا، واغفر لإخواننا فى الدين الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل فى قلوبنا حسدًا وحقدًا لأحد من أهل الإيمان، ربنا إنك رءوف بعبادك، رحيم بهم.

وفى الآية دلالة على أنه ينبغى للمسلم أن يذكر سلفه بخير، ويدعو لهم، وأن يحب صحابة رسول الله $، ويذكرهم بخير, ويرضى عنهم هذه طهارة الباطن، طهارة الظاهر لا تغنى شيئاً عن طهارة الباطن لأنها هى الأساس وما تعملون من عمل إلا كنا عليه شهودا.

نقاء المرأة المسلمة

قال الله تعالى { وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيــراً ( [الأحزاب:33].

إن طهارة المرأة المسلمة فى عفتها ، وفى حشمتها وفى وقارها وفى حجابها وفى خمارها أو فى نقابها ؛ ولذلك فإن المولى سبحانه وتعالى قدم الحجاب على الصلاة ، وعلى الزكاة ، وعلى طاعة الله تعالى ورسوله العظيم $ ثم ربط هذا كله بقوله تعالى ).. وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ( [الأحزاب:33].

هكذا تطهر المرأة المسلمة ، وتنقى المرأة المسلمة ، ومن سلك طريق الإيمان ، واعتز بالإسلام ، وهدى إلى طريق الإيمان فإنه إذا عاد عن هذا الطريق كالتى كانت ترتدى الحجاب ثم تكشف رأسها ، وتكشف شعرها ، وتعود إلى الجاهلية الأولى فهذا أمر خطير جدًّا .

فهذا هو السلب بعد العطاء ، إن الله تعالى يعطى المرأة المسلمة نوراً وحجاباً ووقاراً وعفة وشرفاً وكرماً ويصونها المولى سبحانه وتعالى ثم هى تنفض كل هذا عن نفسها وتعود إلى جاهليتها الأولى ، وربما ذكرنا - أيضاً- أن الله عندما قال الجاهلية الأولى أى فيه جاهلية ثانية وثالثة وتشتد هذه الجاهليات أى الأحوال الجاهلية حتى تقوم الساعة على أشر الناس ... فاللهم قنا عذابك يوم تبعث عبادك.

وبعض الناس لا يحافظ على الحجاب وتقول: أنا أصلى ، أنا أزكى أنا أخاف ربنا وتقول: “أنا أحسن من غيري” كالتى تقول: أنا محجبة، ولكن فى حالى ، ولا أؤذى أحداً ، وأنا حالتى الإيمانية جيدة ، نقول لها: إن الذى رتب والذى ربط هو الله سبحانه وتعالى ، هذا أمر ليس اختياراً، إن الشخص يختار المرأة المسلمة تقول أتحجب أو لا، هذا أمر, وربنا سبحانه وتعالى قبل أن يقول لها: صلِّ قبل أن يأمرها بالصلاة أمرها بالحجاب .

وعلى هذا فإن الإسلام عبارة عن قطعة من النور، امرأة إما أن تأخذ هذه القطعة وتنتفع بنورها وضيائها وجمالها وظلالها ، وإما أن تكونى فى حاجة لأن تراجعى قلبك ، وأن تقوى نفسك وبصيرتك إلى الله - عز وجل- ، والذين يعيشون الإيمان يعلمون أن الله - سبحانه وتعالى- يحافظ على المرأة المسلمة ، وفى الوقت نفسه فإنه يحافظ على جوارح المرأة ويحافظ على جوارح الرجل ، وهذا ما تحدثنا عنه فى قوله تعالى:
وإذا كان حشمة المرأة وتحجبها طهارة حقيقية فهذا أمر لا خلاف عليه ما بالك هناك طهارة أخرى ما هو هذا الأمر .. { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُـــوا فُرُوجَهُــمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُـمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30].

قد أفلح من تزكى

قال تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى } [الأعلى:14]. أى قد فاز مَن طهر نفسه من الأخلاق السيئة ، وذكر الله، فوحَّده ودعاه وعمل بما يرضيه، وذكر اسم ربه فصلى ، وفى إطار هذا الكلام نتكلم عن الخصلة الصالحة التى ينبغى أن تكون عند كل شخص منا .

قد أفلح من تزكى الأصل فى كلمة تزكى أنها أتت فى القرآن الكريم بتاء واحدة إشارة إلى أن الإنسان، كلما أراد أن يتطهر، كلما أراد أن يتنور بنور الإيمان لابد أن هذا يحتاج إلى عمل، يحتاج إلى متابعة إيمانية، يحتاج إلى قلب يقظ، يحتاج إلى لسان ذاكر ، إلى بدن حاضر، كما جاء فى قوله تعالى: { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِى بِهِ فِى النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِى الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأنعام:122].

أى أوَمن كان ميتًا فى الضلالة هالكاً حائراً, فأحيينا قلبه بالإيمان وهديناه له، ووفقناه لاتباع رسله، فأصبح يعيش فى أنوار الهداية، كمن مثله فى الجهالات والأهواء والضلالات المتفرقة، لا يهتدى إلى منقذ، ولا مُخَلِّص له مما هو فيه ؟ لا يستويان، وكما خذلتُ هذا الكافر الذى يجادلكم - أيها المؤمنون- فزيَّنْتُ له سوء عمله، فرآه حسنًا، زيَّنْتُ للجاحدين أعمالهم السيئة; ليستوجبوا بذلك العذاب.

خاتمة :
النقاء والبقاء يأخذك فى رحلة مباركة بين نقاء العمل وصلاحه وبين بقاء العمل وأثره
( النقاء والبقاء ) معًا يجتمعان فى الأخلاق الإسلامية، وصلاح النفوس وتزكيتها، واستقامة القلوب ونقائها لأسباب إحباط الأعمال، وكيفية نصرة المسلم.

أخلاق ( النقاء والبقاء ) التى ينبغى على المسلم أن يتعلمها وبنفسك بها من خلال سنته الشريفة، تتحقق فى صلاح القلوب ونقائها وطهارتها من المعاصي.

وموضوعات هذا الكتاب تدور حول النقاء للعمل بالتوبة، وبقاء الصالحات باليقين، ثم كيفية اجتماع القلوب على محبة الله عز وجل، والصدق مع الله والتعايش مع الطاعة، وكيفية النجاة من موبقات الأثام. وحفظ الأمانات من علامات الإيمان، وكيفية نقاء المراة المسلمة، وتحقق المسلم بالخصال الصالحة.

مباحث الكتاب

المبحث الأول: حالة النقاء والبقاء للعمل
المبحث الثاني: النقاء والبقاء.
المبحث الثالث: التوبــة واليقيــن.
المبحث الرابع: اجتمـاع القلـوب.
المبحث الخامس: الإيثار من علامات المحبة.
المبحث السادس: أى الطاعات أفضل؟
المبحث السابع: الصـدق مـع الله.
المبحث الثامن : أمة واحدة وقلب واحد.
المبحث التاسع: ليلة النصف ونقاء القلوب
المبحث العاشر: التعايش مع الطاعة.
المبحث الحادى عشر: تلوث القلوب والجوارح.
المبحث الثانى عشـر: أسباب تلوث القلوب وإحباط العمل.
المبحث الثالث عشر: طهارة القلب من المعاصى.
المبحث الرابع عشـر: النجاة من موبقات الآثام.
المبحث الخامس عشر: حفظ الأمانات من علامات الإيمان.
المبحث السادس عشر: نقاء المرأة المسلمة.
المبحث السابع عشر: الخصلة الصالحة لدى المسلم.
المبحث الثامن عشر: رحلـة التزكيــة.
المبحث التاسع عشر: قد افلح من تزكى

تزكية النفوس أصعب من علاج الأبدان و هى إحدى مراتب الإحسان

فاز مَن طهر نفسه من الخبائث وارتقى بروحه إلى مراتب المحبين وذكر الله فوحَّده ودعاه وعمل بما يرضيه