كتاب الحضارة الإسلامية (فريضة شرعية، ورؤية مستقبلية )

عرض كتاب
طبوغرافي

 الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

الدكتور

الإنسان يمثل هدف الحضارة الأول فهى خادمة له
الحضارة الإسلامية هى أول من وضعت أمام عينها إسعاد البشرية
الحضارة الإسلامية فيها من المرونة ما تستجيب لمتطلبات الناس وتستجيب كذلك لمتطلبات العصر

كتاب  )
تناول الفصل الأول:
 (المفاهيم النظرية حول الحضارة ) ، والفرق بين الحضارة والثقافة والمدنية، الإسلام وبناء الحضارة.

تناول الفصل الثاني:
(خصائص الحضارة الإسلامية ومكوناتها)، وخلود الحضارة الإسلامية واستقرارها.

تناول الفصل الثالث :
(طبيعة الحضارة الإسلامية ومضامينها) .

 تناول الفصل الرابع :
 الحضارة الإسلامية (رؤية واقعية ومفاهيم جديدة ونظرة مستقبلية) وحوار الحضارات فى الإسلام، ومستقبل التمكين للحضارة الإسلامية.

تناول الفصل الخامس :
(معوقات فى نهضة الحضارة الإسلامية) ، وأسباب التخلف الحضارى عند المسلمين.

وتناول الفصل السادس:
 (من الوعى الحضارى إلى يقظة الأمة).

يمثل الإيمان بالله الأساس الأبقى الذى يمكن أن تقوم عليه الحضارة الإسلامية؛ لأن هذا الأساس يستمد مقومات قوته وبقائه من خالق الكون والإنسان، وهو سبحانه أعلم بما يصلح أمر الكون والإنسان، فجاءت أحكامه وأوامره موافقة للفظرة التى فطر الإنسان عليها، والتى تكفل له السعادة الدائمة التى لن يجدها الإنسان فى أى تصور بشرى لمنظومة أو منهج يزعم أنه يقود إلى السعادة بعيدًا عن ظل الأحكام الإلهية الكاملة والمتوازنة.

كتب 2
فالإيمان بالله – تعالى - شرط أولى لبسط النعمة، أو بالمصطلح المعاصر: الحضارة، وفى هذا يقول رب العزة – سبحانه وتعالى – : [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ] [الأعراف : 96 ] .

ويمثل نهوض الإنسان بالخلافة فى الأرض على عهد الله وشرطه، وتفجيره فيها ينابيع الرزق، وصنعه المادة الخام، وإقامته الصناعات المتنوعة، واستخدامه ما تتيحه له كل الخبرات، التى حصل عليها فى تاريخه كله، حينما يفعل الإنسان هذا كله يكون كامل الحضارة (التحضر)، ويكون هذا المجتمع قد بلغ قمة الحضارة .

ولأجل هذا كانت خلافة الإنسان على الأرض تعبيرًا عن تحمله لمسئولية بناء مجتمع إسلامى مؤمن يشارك فى عمران الأرض على تنوع جوانبها، ومفرداتها، ويسمو بروحه فى الوقت نفسه عن العالم المادي، فيجعل فى قلبه وروحه قوة إيمانية دافعة على العمل لسعادة نفسه وغيره في، نسيج متلاحم من الأخوة، ومحبة الخير للمجتمع كافة، فيكون الفرد فى هذا المجتمع كاللبنة فى البنيان المرصوص.

وإذا أردنا أن نتلمس تصورًا وجلاء لملامح الحضارة وهدفها بصفة عامة، فإن الحضارة مجموعة أشياء كثيرة بعضها مادي، والكثير منها معنوي، ذلك الكيان الذى يضم المعرفة والمعتقدات والفنون والآداب والقوانين، والعادات والقدرات، والتقاليد الأخرى جميعها التى يكتسبها الإنسان بصفته عضوًا فى المجتمع، أو هى حياة المجتمع المتمثلة فى نظمه ومؤسساته ومكاسبه وإنجازاته، وفى القيم والمعانى التى تنطوى هذه الحياة عليها.

فإذا نظرنا فى بؤرة عناية الحضارة وأهدافها فالإنسان يمثل هدف الحضارة الأول فهى خادمة له بكل ما تسعى إليه، وكل ما تسير عليه وتبتكره من منجزات، ومقياس نجاح الحضارة وفشلها فى سعادة الإنسان، ورقيه، وتوازنه .

وفى هذا الإطار فإن الحضارة الإسلامية بلغت المبلغ الأرقى والأسنى فى تحقيق السعادة للفرد المسلم، من خلال الأحكام المضيئة للإسلام التى وضعت المسلم فى كف رحيمة تكفل له حقه فى الحياة، ولا تفضل عليه أحدًا من أفراد مجتمعه على أساس عرق، أو أصل، أو لون، أو غنى، أو فقر، كما وضعت المسلم فى إطار الأسرة الإسلامية الكبيرة التى تتراحم فيما بينها فى ظل نظام اجتماعى ربانى يقوم على المودة والرحمة، ونصرة الضعيف، والرفق به، وتوقير الكبير، ورحمة الصغير، وإعطاء الفقير، وعيادة المريض، وكفالة اليتم، والبحث عن إزالة العناء والنصب عن كل ذى نصب من المسلمين .

وفى ظل هذا النظام الإلهى المتوازن احتفظت الحضارة الإسلامية باستقرارها ورسوخها فى أصولها وثوابتها، واستوعبت جميع الحضارات من شعوب وبيئات مختلفة؛ فالحضارة الإسلامية حضارة ثابتة وراسخة، لها القدرة على التفاعل مع الحضارات الأخرى، وقادرة على التغلغل فيها لإنقاذها وتوجيهها الوجهة الصحيحة للإنسان والإنسانية .

ومن أهم السمات التى تميزت بها الحضارة الإسلامية (الوسطية والاعتدالية) فى كل شيء؛ حيث جمعت الحضارة الإسلامية بين غذاء الروح، وغذاء الجسم .

فالإسلام ارتفع بالنفس الإنسانية إلى أعلى مراتبها، وأعطى لها الوسطية الحقة، قال – تعالى - : [وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ] [القصص : 77] .

ومن أهم ما يميز الحضارة الإسلامية أنها لا تقوم على تعذيب الجسم لتطهير الروح، ولا تقوم على الرهبنة والانقطاع عن الدنيا، فقد قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - : ((عليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام))
إن الحضارة الإسلامية غايتها تهذيب النفس من غير إهمال الجسم، وتعمل على تقوية الإرادة الإنسانية التى من شأنها أن يتحكم الإنسان فى شهواته، وبذلك تبنى فردًا قويًّا يعلى من شأنها.

والحضارة الإسلامية تعتمد على الوسطية السمحة التى تجعل الإنسان فى خدمة أخيه، فيحدث الترابط فى كل أرجاء المجتمع .

ولكى يحدث هذا الترابط الاجتماعي، فإننا فى حاجة إلى أن نرصد الجانب الإنسانى الاجتماعى فى الحضارة الإسلامية، ليس فقط بالعناية فى الإسلام من خلال المجتمع، وإنما من خلال بناء الإنسان وفق مفاهيم إيمانية واجتماعية لا ينفصل بعضها عن الآخر، الحضارة الإسلامية تعتبر وجهًا مضيئًا للإنسانية، فقد انصهر فى بوتقتها كل فئات المجتمع، ليس هذا فقط، بل كل الأجناس سواء أكانوا عربًا أم عجمًا، سادة أم عبيد، رجالًا أم نساء .

بل إن من عظمة الإسلام أن أعطى الأفضلية لبلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسى رضى الله عنهم على كثير من زعماء القبائل العربية الذين كان يشار إليهم بالبنان ولا يقضى أمر دون الرجوع إلى رأيهم فى الجاهلية، وكان مقياس التفاضل هو السبق إلى الإيمان والعمل الصالح والانضواء فى ظل طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

إن عظمة الحضارة الإسلامية تتمثل فى نظرتها للإنسان، فالكل سواء، وقد أكد القرآن الكريم ذلك؛ قال تعالى : [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ] [ النساء: 1] .

فالإسلام ينظر إلى الإنسان كإنسان ، فلا ينظر إلى لونه، أو جنسه، أو لغته، أو مقدار ما يملك من مميزات مادية، ولكن ينظر إليه ويرفع من شأنه بمقدار ما يملك من مميزات دينية  وأخلاقية سليمة قائمة على التوحيد والتقوى والعمل الصالح .

وتتجلى إنسانية الحضارة فى خطاب الهداية الموجه للناس جميعًا، فلا طبقة نخبة ولا سادة، فالإنسان كما صوره القرآن الكريم، ليس هو الإنسان العربي، وإنما هو الإنسان فى خلقته الأولى الذى خلقه الله – تعالى - من طين لازب، فقد قال – تعالى - : [يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا] [ النساء: 174، 175 ] .

وتتميز الحضارة الإسلامية بالجانب الاجتماعى المتكامل فى المعاملات والحدود والقصاص والآداب الاجتماعية مثل إفشاء السلام، صلة الأرحام، بر الوالدين، الأخوة، التزاور، الإصلاح بين الناس، النصح بين المسلمين، كما يتكامل الجانب الأسرى فى الحضارة الإسلامية تكاملًا لا مثيل له فيما قبل الزواج فى اختيار الزوجة، واختيار الزوج، ثم بعد الزواج فى حقوق الزوج على زوجته، وحقوق الزوجة على الرجل، الحقوق المشتركة بينهما، وكيفية تربية الأبناء فى الإسلام، والتشريعات الإسلامية التى تؤدى إلى صلاح البيت المسلم، وتنشئة الأبناء تنشئة رشيدة .

والحضارة الإسلامية هى أول من وضعت أمام عينها إسعاد البشرية، ولذلك فلا بد أن تكون إنسانية الخطاب،  تخاطب الروح والعقل، والقلب وحاجاته، ولا تمايز بين البشر، والدين هو الركيزة الأساسية للحضارة الإسلامية، فالدين هو الذى يتجه إلى جميع الأمم بدعوة واحدة على سنة المساواة بين الشعوب، والأجناس، والتماس الهداية للغالب والمغلوب، والدين يعمل على توحيد الإنسانية فى حقوق واحدة، وهداية واحدة، وإيمان بإله واحد لا إله غيره، يتساوى الناس بين يديه، ولا يتفاوتون بغير الفضل والصلاح .

ولذا فقد عنيت الحضارة الإسلامية بالخطاب الإنسانى الذى يعمل على الرقى بالإنسان، فهو يعمل على إرساء روح العمل والإخلاص، فالإنسان محل الخطاب الإلهى والتكليف الرباني، ولذلك فمن الطبعى أن يكون بانى الحضارة وحامل مشعلها .

وإذا إردنا أن نعرض لأهم مقومات الحضارة الإسلامية التى عليها تأسست، ومنها نهضت، وبها استقرت وتميزت وارتفعت، تبرز لدينا بعض النقاط منها  :

إن الأساس الذى تبنى عليه الحضارة الراشدة هو الإيمان بالله – تعالى -حيث إن تلك العقيدة هى التى تعطى التصور الصحيح للعقيدة، وللكون وللإنسان والحياة عامة، والإيمان يعطى المعرفة الحقة التى من شأنها إنشاء حضارة تحتوى على كل أسباب تقدمها:

العلم - العمل الصالح - العدل - الأخلاق - الشمولية - الاقتصاد المزدهر.
والحضارة الإسلامية فيها من المرونة ما تستجيب لمتطلبات الناس، وتستجيب كذلك لمتطلبات العصر، وتحبب النفوس والقلوب إلى الإسلام من خلال :
الواقعية، والانفتاح لا الانغلاق، واعتماد المنهج العلمي، و إشاعة روح الأمل.

إن المنهج التربوى فى الحضارة الإسلامية يهدف إلى بناء الإنسان القادر على أداء دوره فى المجتمع كما رسمه أمر الله  تعالى  باستخلافه فى الأرض، وتتوزع التربية الإسلامية على جوانب الحياة مثل المدرسة والمسجد والمنزل والشارع .. إلخ.

ولقد قدمت الحضارة الإسلامية نماذج عظيمة للعديد من النوابغ فى كافة العلوم الإنسانية منها والتطبيقية.

وبمرور الزمن أصبحت المساجد كلها جامعات إسلامية، وصار اسم المسجد “جامع”، واليوم نحن نسمى مؤسساتنا العلمية الكبيرة الشاملة بمؤنث “جامع” أى “جامعة”، وأصبح يدرس فيها مختلف علوم الدنيا والدين .

ثم ظهرت المدارس التى أنشئت عن طريق الأساتذة والأثرياء، وابتدأت بدار يجتمع فيها الأستاذ مع طلابه، وأقدم مدرسة هى مدرسة أبى بكر بن فورك الأصبهانى (القرن الخامس الهجري) فى نيسابور، وكانت تدرس فيها مختلف العلوم، ثم أصبحت تلك المدارس “حكومية”، وأول مدرسة حكومية هى المدرسة النظامية التى أنشأها نظام الملك (فى القرن الخامس فى بغداد وخراسان).

وهنا تجدر الإشارة إلى أن العرب المسلمين هم أول من جعل التدريس من واجبات الدولة، وأول من عرفوا تأميم الطب والعلاج.

ونستطيع بعد هذا أن نصل إلى الحقائق التالية :
أولًا : عنى المسلمون بالعلم والمعرفة، واستطاعوا فى سرعة لم يعهد لها مثيل فى تاريخ النهوض أن ينتقلوا من أمة الأمية إلى أمة العلم، والقيادة الفكرية، وأن يصبحوا أساتذة العلم والعالم، ورواد العلوم والفنون، يدرسونها للأجيال المعاصرة، ويدونونها للأجيال المقبلة كأحسن ما يكون التأليف والتدوين، وينشرونها فى شعوب كانت تائهة فى عماء الجهل وظلمته.

ثانيًا : كان العالم من علماء الأمة الإسلامية موسوعة علمية بكل ما فى كلمة موسوعة من معنى ومفهوم، فتجد الواحد منهم عالمًا فى الفقه واللغة والتفسير والطب، والفلك والجبر والهندسة، والحساب والكيمياء، وسائر الفنون، وهذا ينبئ عن عقلية فذة، وثقافة واسعة، ومقدرة فائقة، واهتمام وحركية، وصبر واحتمال .

ثالثًا : بهذه الروح العلمية فتح المسلمون طريق الانتفاع بأصلين عظيمين من أصول الإصلاح الإنساني، وهما حرية الفكر، واستقلال الإرادة ؛ لأن العقول لا تنهض للبحث، ولا تتحرك للعمل، إلا بعد أن تعرف أن لها حقًّا فى طلب الحقائق.

رابعًا: أن الحضارة الإسلامية وصلت بين قديم الحضارات وجديدها بما حفظت من  تراث الأقدمين، وما أضافت إليه من عبقريتها الإسلامية المبدعة .

خامسًا : كان المنهج الرياضى فى الفكر الإسلامى منهجًا علميًّا، يطبق على مجالات شتى فى هندسة البناء، والتعمير، والصناعة، وإقامة السدود، ورفع المراكب الغارقة، وقياس المسافات وغيرها، ومن هذا ندرك أن علماء الأمة أمدوا الحضارة الإنسانية بمساهمات ذات أثر خالد، ولن ينسى التاريخ دور الأمة الإسلامية فى البناء الحضاري، ولن تنسى الإنسانية عصور الإسلام الزاهرة فى مجالات الحياة كلها .

ولذا فإنه لكى تنمو الحضارة الإسلامية منهجًا وعملًا وفكرًا وتطبيقًا وشريعة وحياة وأسرة واقتصادًا وعسكريًّا وزراعيًّا وصناعيًّا واجتماعيًّا وعمرانيًّا وإنتاجيًّا، كل هذه المقومات لكى تتحقق فإنها فى حاجة إلى تحقق مفهوم الأمن الاجتماعي، حيث لا ترتقى حضارة بهذه العظمة الموجودة فى الحضارة الإسلامية إلا من خلال صناعة الأمن التى تكفل تحقيق المعانى السابقة، ولا ينفصم الأمن عن الإيمان، كما لا ينفصم عن نمو الحضارة وازدهارها، ولقد جمع الإسلام منذ ظهوره من أربعة عشر قرنًا ونصف بين مختلف مقومات الأمن، من الأمن الإيماني،  والأمن العسكري، والأمن السياسي، والأمن الاقتصادي،  والأمن الاجتماعي.

وهذا الأمن الذى أشرنا إليه بأبعاده المختلفة، يحقق استقرار الدولة الإسلامية، ودوام عطائها، وهذا جانب آخر فى تميز الحضارة الإسلامية فى مرجعية بناء الدولة الإسلامية، وتنظيم العلاقات داخلها.

كما لا يغيب عنه عدالة الإسلام ونظرته العادلة للإنسان وتشريعه المتوازن الذى يعطى كل ذى حق حقه، ونظامه الذى وضعه ليحقق السعادة الدائمة للإنسان فى الدنيا والآخرة، وإن المسلم لبنة الحضارة الإسلامية إنسان إيجابى يعيش فى حركة فكرية ونفسية وجسدية بنّاءة، بعيدًا عن السلوك التخريبى الهدّام، رافضًا التحجر والجمود، لا يرضى بالسلوك الانسحابى الذى يتهرّب من نشاطات الحياة، ويبتعد عن مواجهة الصعاب؛ لأنّ الإسلام يبنى فى الإنسان المسلم الروح الإيجابية التى تؤهله للعطاء، وتنمى فيه القدرة على الإنتاج والإبداع.

إن الحضارة الإسلامية باقية بقاء الحياة على وجه الأرض، تستمد بقاءها من الإسلام الذى قامت على أساس مبادئه، وقد تكفل الله – تعالى – بحفظ الدين الحنيف، وهى بذلك حضارة ذات خصوصيات متفردة.

فالحضارة الإسلامية لا تشيخ لتنقرض ؛ لأنها ليست حضارة قومية، ولا هى بعنصرية، ولا هى ضد الفطرة الإنسانية، والإسلام لا يتمثل فى المسلمين فى كل الأحوال؛ لأن المسلمين قد يضعفون، ويقل نفوذهم، ويتراجع تأثيرهم، ولكن الإسلام لا يضعف ولا يقل نفوذه، ولا يتراجع تأثيره، وهى بذلك حضارة دائمة الإشعاع تتعاقب أطوارها، وتتجدد دوراتها.

ولا نبالغ حينما نقول : إن الحضارة الإسلامية مؤهلة اليوم لإنقاذ الإنسانية، وبالطبع فهذا لن يتأتى بالادعاء، وإنما باستيعاب الحضارة، والتخصص بشعبها المعرفية؛ لتوجيه مسارها من الداخل نحو غايات خيِّرة.

ولكن إحياء الحضارة الإسلامية يحتاج إلى مؤسسات قوية لتوصيل أهدافها، ومنها الإعلام الهادف، والتعليم بكل مؤسساته، والمؤسسات الاقتصادية التى لا تتعامل بالربا والنظم السياسية المستقاة من شريعة الإسلام والتسلح العسكرى الذى يربى فى الشباب روح الشباب للدفاع عن الإسلام ومعرفة فضل الجهاد والشهادة فى سبيل الله، والاعتماد على أنفسنا فى تصنيع السلاح كى يكون الإعداد العسكرى جانبًا من جوانب القوة .