دليل النظام الإلهى يفضح الملاحدة

حول العالم
طبوغرافي

يعترف الإلحاد بوجود نظام دقيق للكون ولكنهم في ذات الوقت ينكرون وجود الله تعالى، ويمكن الرد عليهم في هذا بالقول إن الإيمان بالله عز وجل خالق الوجود ومسيّره أمر بديهى، فالكون من فرشه إلى عرشه، ما من مخلوق في هذا الكون إلا وهو ينادي بالدلالة على خالقه، وهي دلالة لا تقتصر على إثبات الوجود فقط، بل تتسع لتدل على صفات هذا الخالق العظيم، من العلم والحكمة والإرادة والقدرة وغيرها، ورغم سعة هذه الدلالات وعظمتها فقد وُجِدَ من شواذ البشر، من زعم أنه لا إله، وأن الحياة مادة صماء لا تعقل ولا تنطق، وهي مع ذلك قد أوجدت نفسها بنفسها عن طريق التلقائية والمصادفة! وهي ذاتها تسيَّر نفسها عن طريق نظام الطبيعة وقوانينها، دون أن يتدخل أحد لا في إيجادها ولا في تسييرها،

وفي منطق يعجز العقل عن تصوره، إذ كيف لمادة صماء أن توجد نفسها، فضلًا على أن تهب الحياة لغيرها، كيف والعقل قاضٍ بأن الموجود لا بد له من موجد، وأن المخلوق لا بد له من خالق، كما نطق بذلك لسان الفطرة عند أعرابي، عندما سُئل عن دليل وجود الله ؟ فقال: “البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير”، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج؛ ألا تدل على العليم الخبير.

وهذا العالم المنظم لو تأمل الإنسان فيه سيجد نظامًا يتحكّم في كلّ موجود على حدة، ونظامًا عاما يربط بين الموجودات كلّها بحيث تؤدّي دورها على أكمل وجه، ويتحقّق الهدف المنشود من وجودها.

فالمنظومة الشّمسيَّة بما تحويه من شمس وقمر وكواكب، عجيبة في تكوينها، دقيقة في حركاتها المنتظمة، وما يترتّب عليها من مصالح وما يحدث بسببها من أحوال لازمة لها، كاللّيل والنّهار، والفصول الأربعة وما يترتّب على هذا الانتظام من فوائد.

وكذلك عالم النبات، وهو عالم عجيب في تركيبه وأسراره وفوائده، الّتي اكتشف العلم حتّى الآن جزءًا بسيطًا منها، وما خفي كان أعظم.

وأمّا الإنسان، فإنّه من أعجب وأعظم المخلوقات، فهو يحوي ما تفرّق في المخلوقات، وأضيف إليه أجهزة معقّدَة أخرى ولكنّها منظّمة بكيفيّة مثيرة للدّهشة، لما فيه من عجائب وأسرار وأنظمة. ومع أنّ الإنسان وضع تحت مجهر البحث المركّز في كلّ جوانب وجوده، إلّا أنّهم لم يتوصّلوا إلى الكثير من خصائصه. فمن عالم الخلايا، والجهاز الهضميّ والتّنفّسي والدّورة الدمويّة والقلب وغيرها الكثير من الأجهزة، ويبقى المخّ من أكثر أجهزة الإنسان تعقيدًا، وله مركز القيادة وأوامره الّتي تحملها الأعصاب إلى أعضاء البدن.. إلخ.

- إنّ كلّ منظَّم يحتاج إلى منظِّم: وهذه المقدّمة عقليّة بديهيّة، يدركها الإنسان بمجرّد الالتفات إليها، ومن دون حاجة إلى دليل، فإنّ العقل إذا أدرك النّظام وما هو عليه من دقّة وروعة في التّقدير والتّوازن والانسجام، يحكم مباشرة بأنّه هكذا موجود، حيث يمتنع وجوده بدون فاعل عالم وقادر، هو الّذي أوجده ونظّمه، وينفي العقل إمكانيّة وجود هكذا نظام عن طريق الصّدفة، فالعقل الّذي يرفض إمكانيّة صدور مقالة بسيطة من إنسان أميّ لمجرّد أنّه ضغط عشوائيّاً على أحرف الآلة الكاتبة، فهو يرفض قطعا وبشكل أوضح وجود هذا الكون صدفة من دون خالق، وهذا الحكم يعتمد على قانون العلّيّة الثّابت بحكم العقل البديهي. فالعقل يحكم بالبداهة أنّ كلّ معلول يحتاج إلى علّة، ويستحيل وجوده دون علّة؛ وبذلك تظهر النّتيجة بشكل جليّ، فالعالم منظَّم بحسب المشاهدات والعلوم، وكلّ منظَّم يحتاج إلى منظِّم بحسب البداهة العقليّة، إذن فالعالم يحتاج إلى خالق منظِّم ويستحيل أن يكون وليد الصدفة العمياء، وهو المطلوب.